كتاب سبر

وامحمداه

ملقاة على التراب تخوض مساومتها الأخيرة مع أنفاسها وهى تنظر إلى ريشة السهم المغروس في قلبها, هذا القلب الغض الذي كان سوقاً تباع به الآمال وتشترى به الأحلام فأصبح الآن مقفلا بشمع الدماء الأحمر, كانت روحها عروساً تزف إلى السموات بعد طلاق الجسد وهى تتهادى فيما بين بين أكاليل الدموع البيضاء الحاملة لباقة نور كانت تشعه شموع عينيها وبين دماء منهمكة وهى تفرش لسموها سجادة حمراء استعدادا لمقابلة سفير الموت القادم , وردة حياتها كانت تذوى تلملم بتلات سنواتها على عجل وترتب سطور الذكريات ما بين ثنايا حقائب رحلتها لأخيرة , فتضع هنا ذكرى براءة طفولة وهناك ذكرى تهمة مراهقة وهنا جنون وهناك أحاسيس وهنا فرح أتى وذهب وهنا حزن ذهب وأتى وهنا ….!!….حبيبي أنت هنا؟! 


” واحبيبتاه …” تراءىت لها الملامح القاسية لذاك الوجه الحنون الذي تفجرت من تضاريسه جراح دماء فاجرة تمشي على استحياء وهى تجر أذيال دموع غطت أرصفة طرق تجاعيده, وشاهدت كيف ان الدم والدمع يتصاولان في ميدان تعابيره حتى يفرق تراب غبار بينهما او يتفرق دمه هو بينهما، مدت أناملها الناعمة نحو وجهه لتقبل موضع شفاهه وتمنعها من عناق كلمات أخرى تراوده عن ” أنفاسه” اللاهثة وتمايلت نظرتها تتبختر وهو تخطو نحو بلاط عينيه لتهدى إلى عرش مشاعره نظرة أسرة ممزوجة بحلاوة روحها الأخيرة : لا تقل واحبيبتاه قل .(…….).


امتطى القائد سرج جواده حاملاً سراج نور كلمتها الأخيرة ليقتحم متسلحا به ظلام المعركة التي حمى وطيسها حتى بلغ درجة الانصهار فامتزجت الدروع بالجذوع والسيوف بالحتوف والسهام بالعظام والرماح بالرماح والإنسان بالشيطان ..ثم نزع قلنسوته ورماها نحو الأرض الملطخة بالدماء الأرجوانية حتى الثمالة وصرخ : (………….)


توقف الزمن للحظات ولم تعد الشمس تهتم لليلها متى عتمته ولا لنهارها متى ضحاه ولم يعد القمر يطربه ثناء الشعراء ولا أنين العشاق ليتلفتا كما تلفتت كتائب الجنود المنهزمة منذ لحظات نحو مصدر الصوت …يا اله السموات هذا الاسم نعرفه كما نعرف أبنائنا ..تبا لموت وسحقا لحياة أنستنا ذكر حروفه !! ..اي حياة ترجى حين تفتقد أنفتنا عطر ذاك الاسم !! ..اي عذر لنا غير حبه نلقى به ملائكة ربنا !! ..اي تاريخ نفخر به لم يحمل في أعلى الواحه ختمه !! آه يا (……..) من أجمل ذكرك حين الموت وما أروعه فيما بين سطور الحياة !!


تردد صدى صوت القائد ” …..” مرة أخرى وشق طريقه عبر وديان أذانهم فتردد وقع اقدام اصداء صيحة “….” وهى تحث الخطى نحو بضاعة القائد النفيسة لترتفع بعد هاراية هدير الهمس المتقدم وتنخفض راية همس الهدير القادم من الشرق ويثور غبار الميمنة المتقهقرة ليشق غبار خيلها صراخ عاصفة متبخترة ترتجز نشيد الموت وأفاقت الميسرة من سكر الجبن لتتوضأ بماء (…..) الطهور من نجاسة الخذلان وتصلى العدو بنيران عزها المتجدد فتركع على ظهور كتائبه وتسجد على نحورهم على سنة سيدنا ” عزرائيل” عليه السلام ونبض قلب الجيش من جديد ودوى رعد زئيره لتبرق بعده السيوف وتمطر سحائب الكنانة وابلا من سهام وتصيب صواعق الرماح كل ما أمامها من سدود كتائب العدو لتأخذ ارض غروره الراجفة وتتهدم أسطورة الجيش الذي لا يقهر .


!! ..اتسعت العيون الضيقة لكتبغا فارس السهوب وضاقت به ارض ” الخانات ” الواسعة الممتدة من بولندا إلى اليابان وأصبح كالأسد الجريح الذي عرف اخيراً طعم ألام الفرائس ليصيح فى جنوده الكواسر الذين مسخوا ارانب تتنطط من حوله وهى تجرى نحو جحور النجاة …ما الذي يجرى ألا احد يخبرني عن سر هذه الكلمة “الحية” التي اخذ تلقف ما صنعنا لعقود من سحر الخوف والخشية !! ..من أي شجرة قطعت أغصان هذه الكلمة التي نحتها قائد أعدائنا عصا فرق به بحر انتصاراتنا المدوية من بكين إلى فلسطين ليغرقنا فيه !! ..ما هذه الكلمة التي تحيي عظام الهمة في هؤلاء وهى رميم !! الم تنم أعين الجبناء في الصين وخوارزم وفارس وروسيا والبلقان والعراق والشام فما لها اليوم هنا تستفيق لتلتهمنا بأجفانها وتحرقنا بنظراتها !! يا آلهة الأسلاف أي شعاع شمس خرج اليوم من فم ذاك القائد !!


ولج نهار جنود القائد في ليل جنود كتبغا فتساقطوا كاوراق شجر الخريف أمام نسائم ربيع أشرق من وراء أفق كلمة واحدة حان بعد قولها قطاف رؤوس سببت صداعاً للبشرية من كوريا إلى سوريا ليداويها اخيراً كى نار إرادة هادرة أوقدت من شجرة مباركة لكلمة نطقها ذاك القائد فترجمها رجاله إعصار فعال واجه ريح فعال امة متوحشة فعلت بالبشرية الأفاعيل فحطمه !!


المعركة هي عين جالوت التي تواجه فيها جيش مصر والشام وجيش المغول بقيادة كتبغا والقائد هو قطز حاكم مصر وزوجته الشهيدة هي زوجته جلنار حب الرمان التي قتلها المغول في أول المعركة أما الكلمة التي غيرت مسار المعركة فهي ” وامحمداه ” صلوات الله وسلامة عليه ذاك الرحمة المهداة الذي ولد يتيماً في أم القرى فلم تعد أمة الإسلام يتيمة ولو ليوم واحد من بعده .
@bin_hegri