كتاب سبر

صدقني يا سلطان.. الباستيل ليس دسمان

عُرِف حصن الباستيل، والذي تحول في عهد الطاغية لويس الرابع عشر وخلفائه الظالمين إلى سجن ومعتقل سياسي، يُمثِلُ رمزاً للقهر والجوّر والإستبداد في فرنسا قبل ثورتها .. فقد أصبح هذا الحصن -الذي كان يحمي حدود شعب العاصمة باريس من أعدائها والمتربصين بها بفعل سياسة الطبقية والشللية التي تعج ببلاط الملوك والأمراء- منفى يُزجُ بِه أحرار ومصلحو الأقاليم والإقطاعيات الفرنسية كرمال أعين الأعيان والنبلاء، فما كان من الأمه عند إندلاع ثورتها، إلا التوجّه نحو الحصن لمهاجمته وإطلاق سراح من زُجوا به بدلاً من أن يقصدوا الإليزيه .. !
 
الشاهد من ذلك، هو ما حدث بالأمس مع مجموعه من خيرة شباب الكويت خلال مسيرة (كرامة وطن) ، شخصياً تربطني علاقة صداقة وزماله بأحد هؤلاء الأحرار، وهو المعلم القدير والمربي الفاضل أ. سلطان مبارك العنزي، فأثناء توجه المسيرة السلميه تجاه الطريق المؤدي إلى ساحة التغيير، قامت قوات الأمن كما رأى وسمع وشاهد الجميع، باستعراض عضلاتها المفقودة إبان الغزو العراقي الغاشم على أبناء شعبها الأعزل المسالم، بدءاً برمي القنابل الصوتيه والدخانية المسيلّه للدموع، ومروراً باستخدام الطلقات المطاطية والمطاعات، وتوقفاً عند عمليات إلقاء القبض العشوائية، والاعتقالات الانتقائيه، وكحال معظم المتظاهرين خلال عمليات الكر والفر والترهيب التي قامت بها قواتنا الباسلة، آثر سلطان عدم التصادم والتصعيد، والابتعاد بقدر الإمكان عن تلك الوجوه الممسوخة بأقنعة الخُزيّ والعار، ولكن حظه العاثر شاء أن يجعله في الجهة المقابلة للبحر، فبينما كانت الجموع منسحبة بمحاذاة البحر أسفل أبراج الكويت، كان سلطان يسير آفلاً أسفل أسوار (دسمان) .. فـ همّت عناصر الأمن تركض لاهثةً خلفه وقادمةً من أمامه لاعتقاله، فلم يجدّ بُداً من اللجوء إلى واحة الأمن والأمان المتمثلة في قصرِ دسمان، القصر الذي طوقته دموع الأرامل والثكالى والأرامل عند رحيل أميره، القصر الذي مات الشهيد في سبيل الذود عنه، القصر الذي كان سلطان معتاداً على دخوله ومقابلة أميرة عندما كان موفداً لاتحاد طلبة الجامعة، القصر الذي يعتبره سلطان و (كُلُ جيلِ سلطان) مقراً لتطبيق العداله، ومحكمةً يقتص بها من القويِّ إلى الضعيف، وملاذاً للخائفين المظلومين، ورمزاً لِمداخل مستقبل يتعطش هذا الجيل شوقاً للوصول إليه، ولكن .. وضع الكثير من الخطوط أسفل .. (ولكن) .. وذيلها بمئات علامات الاستفهام، ما إن لجأ سلطان إلى داخل القصر، حتى تلاشت تلك الرؤى والتصورات التي كان يتخيلها سلطان أدراج الرياح محلقةً بجانب دخان قنابل مطارديه، فبدلاً من أن يصبح في عُهدة الحرس الأميري، يُعتقل على يد المباحث الجنائية، وبتهمة اقتحام القصر .. فمن المسؤول عن تلاشي تلك الأحلام؟ وتشويه تلك التصورات؟ وإزالة الأماني والآمال المعلقه على أسوار القصر؟ وهل يُلامُ سلطان إن اختزل الباستيل في دسمان؟ 
                      ***********

ادعت الحكومة إطلاق سراح جميع معتقلي مسيرة كرامة وطن، ومع ذلك سلطان لا يزال محتجزاً حتى هذه اللحظة .