كتاب سبر

نيوتن ملعون الخيّر !

رجوتك مرةً وعتبتُ أخرى
فما أجدى الرجاءُ ولا العتابُ
حافظ إبراهيم
يقذف كرة اللهب من يديه بقوة كبيرة باتجاه جدار صامت اعتاد على طرق المسامير في جسده لسنوات طويلة ، مسمار يتلوه مسمار والجدار يتألم ويتوجع ولكن بصوت منخفض حتى لا يزعج ذاك القاذف ، ثمّ يتوقع احتضان الجدار لتلك الكرة الملتهبة من باب “إذا ما طاعك الزمان طيعه” ، ولكنه يفاجأ بكرة اللهب ترتد إليه بذات القوة لكن في اتجاه معاكس لاتجاهها الأول التي أطلقت منه ، لا باختيارها بل رغما عنها ، فالعقل والعلم يقولان أنها يجب أن ترتدّ ، ونيوتن – عليه من الله ما يستحق – يقول : لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه .
يزينون لك فعل السوء بكل ما أوتوا من قوة ويجلبون بخيلهم ورجلهم حتى إذا ما وجدوا منك ساعة غضبة قالوا “هيت لك” يريدونك أن تفضّ بكارة العقل والحكمة فيظفروا منك بمزيد تشويه لسمعتك عبر أبواقهم الفاسدة ، لكنك تتذكر وتفكر مليّا ثم تقول : “معاذ الله” إنه وطني الذي أحسن إليّ صغيراً وينتظر مني ردة فعل حسنة مساوية لإحسانه في الحسن ومضادة له في الاتجاه ، فتهرب منهم إليه فيقدون ثوبك من دبر لأمر دبّر بليل ، حتى تصبح ولا حيلة لك إلا أن تقول : “ربّ السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه” ، فتبحث عن شاهد منصف من أهلهم فلا تجد لأن الطيور على أشكالها تقع ، ولأن هدفهم الأسمى أن تنحني لهم فتقول لسماسرتهم “أذكرني عند ربك” .
سيناريو يتجدد ، ومشاهد باتت محفوظة لكثرة التكرار ، وجمل حفظها المشاهدون رغماً عنهم ، فليس بالإمكان أكثر مما كان ، ولأن “المخرج عاوز كده” فيجب أن يحصل ما يريده ، ولأنه لا بديل لحسام حسن سوى حسام حسن كما يقول المصريون فعلينا أن نستمتع لمشهد حسام وهو “يجيب” فينا الأهداف تلو الأهداف ، موقنين من أنه في النهاية لا بد وأن “يجيب” فينا العيد ! ، ليبقى الحال على ما هو عليه وعلى المشهد أن ينتهي بالطريقة التقليدية دوماً ما لم يكن للمشاهدين رأي آخر .
فحذارِ أيها القاذف ولا يغرنّك كثرة القائلين لك بعد كل قذفة “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” فإنهم إنما أرادوا أن يخدعوك ليظفروا منك بشئ يريدونه فاحذرهم ، ولا تلعن الكرة المسكينة فإنها لاحول لها ولا قوة ، ولا تلعن الجدار المسكين فإنما هو مجموعة أحجار عرتها السنون العجاف والمسامير المؤلمة من جميع مشاعر الحب والود ، ولا تلعن نيوتن بالتأكيد فليس له ذنب في كل ما يحصل لأنه إنّما أخبرك الخبر اليقين ، وما أخبرك به ليس إلا قانونه الثالث ، ولو أنك اطّلعت على قانونه الأول الذي يقول : ( يظل الجسم على حالته الحركية إما السكون التام أو التحريك في خط مستقيم بسرعة ثابتة ما لم تؤثر عليه قوة تغيره من هذه الحالة ) لعلمت بأن نيوتن ليس إلا “ملعون خيّر” .
منصور الغايب