آراؤهم

الدلالات السياسية في صراع الكويت

رغم كل ماقيل ويقال لمسيرة كرامة وطن، ورغم التزييف الاعلامي الكبير ورغم الصدع الذي أحدثته في المجتمع الكويتي و تصعيد الصراع بين المجتمع والدولة من جهة، وبين الأسرة والمجتمع من جهة أخرى، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل عدة دلالات سياسية هامة هي التي سترسم الخط السياسي لكويت المستقبل في ظل هذه الظروف الاستثنائية من العالم العربي!
بادئ ذي بدء نؤكد على الأهمية القصوى لخطاب النائب مسلم البراك، الذي نقل الخطاب السياسي للمعارضة لمرحلة رسم خطوط سياسية واضحة لا تراجع فيها، ووضع ما يسمى بالمعارضة في خط المواجهة وجها لوجه مع السلطة، الأمر الذي يعتبره المراقبون تحديا واضحا !
أعاد البراك في خطابه الأخير تعديل خطوط العلاقة بين الشعب والحكم في جدلية واضحة لا تقبل الجدل، العدل والمساواة و تحكيم أمر الأمة، وإما المواجهة التي كانت المسيرة جزءا منها، مما جعل مؤسسة الحكم تفهم الرسالة تماما وتمنع أي توجه للمسيرة فضلا عن نجاحها، وهذا مايبرر الاستخدام المفرط للعنف من قبل رجال الأمن، وعدم التسامح مع أي حراك سياسي.
إن الصراع بين الحكم وبين المعارضة إنما هو صراع على السلطة، صراع على من يستطيع قيادة الشعب اليوم، ومن يمتلك حق التصرف، ومن يمتلك الأطر التي تخوله أن يقود دون مصادات فكرية أو دستورية، ومن دون فهم هذه المعادلة لا يمكن لأي من الطرفين أن يحقق التوازن المطلوب، وهي حقيقة على الشعب أن يعلمها، ويراعيها في صراعه وتقدمه نحو بناء الدولة الحديثة !
هناك دلالة لا ينبغي إغفالها من مراقبي المؤسسة ولا يجوز التغاضي عنها أبدا، و التي تكمن في  الزيادة المفرطة في تتابع الأعداد نحو الاتجاه للمسيرة ورفض الأوامر التي تمنع التجمهر والتجمع، و هذا إنما يمثل توجها شعبيا عاما غير مسبوق في هذا البلد الصغير الذي لم يخرج عن إطار حكم آل الصباح، ولم يفكر في ذلك، فهذا يمثل  رفضا شعبيا متزايدا، لا بد أن يكون في حسابات مؤسسة الحكم وهي تراقبه، ولم تستطع الماديات والعطايا و غيرها الوقوف أمام ذلك المد المتزايد، ولا التقليل من الأعداد، بل رأينا حتى الترهيب و العنف  لم يستطعا إيقاف الناس عن المشاركة ، وهي مسألة تمثل نقطة مفصلية في الصراع !
إذن هناك غضب شعبي عارم عبر عنه الشعب من خلال المشاركة في الاحتجاجات التي تعبر عنها المسيرات والتجمعات والتظاهرات،و بهذا التزايد المطرد الذي لا ينبغي التقليل من شأنه ولا المخادعة في تضليل الرأي العام الشعبي.
هناك نقطة مهمة جدا ظهرت في السنوات الأخيرة، تكمن في أن صفوف المعارضة ليست متناسقة ولاتحمل تصورا واضحا ولا برامج عمل محددة، وليس لديها أجندات واضحة المعالم، ولكنها تملك ورقة بيدها ورقة واحدة ،هي أخطاء و تصرف مؤسسة الحكم، وهي الورقة التي يتحرك بها هؤلاء،والتي أعطت المسيرة زخما و توجها بضرورة رص الصفوف، وتجميعها تحت راية واحدة، مع اختلاف التوجهات وسبب الخروج وتنوع المطالب، بل وعلو سقفها التي قد تصل إلى أمر نحذره، القضية خطيرة جدا، ولا بد من الوقوف مع النفس ومراجعة الحسابات وفق معطيات الوضع الراهن، لا وفق عقليات ماقبل الثورة العربية.
نحن نؤمن إيمانا تاما بأن القبيلة اليوم قد خرجت عن الطوق، وخرجت عن عباءة الحكم، ولم يعد الحكم يستطيع إرجاعها، لأمور كثيرة، فهي التي تقود المقاومة والمعارضة، ومامن شك أنها نقلة أن ينقلب الحامي والراعي عدوا ومواجها ومتحديا، واستطاعت القبائل اليوم تحريك الشارع، مما يعني  أن هناك متغيرات جيوسياسية، وديموغرافية قد حدثت في المجتمع، و أن هذا التغير لن يقف عند حد معين بل هو في ازدياد مطرد، و هي تغيرات لم يستوعبها الكثيرون، بل عدها البعض قضايا هامشية سرعان ماتعود للخلف وتعود القبيلة تابعة، ولكن الواقع أن التغيير ماض، والتغيير كبير جدا،تغيير في الفكر وفي التفكير وفي طريقة التعامل مع الموضوع.
و يأتي الخطاب الديني التقليدي بآلياته القديمة، وبخطابه المتكرر، ليوقف الحراك الشعبي، ولكنه بتلك الآليات،وذلك المستوى من الخطاب، لك يتمكن من  اقناع الشارع، و لا أن يحد من سطوته، وتلك دلالة واضحة في كل حدث منذ (بو عزيزي) وحتى يومنا الحاضر، فالخطاب الديني التقليدي عجز تماما عن المواجهة والتصدي، وخاصة بظهور فئة من المشايخ والمفكرين الجدد الذي تجاوزوا الكثير وجددوا في بنية الخطاب الإسلامي!
يرى المراقبون أن هناك ظاهرة تميز الفئة الشبابية التي تسلمت زمام المبادرة، وأوغلت في الصراع ومضت به نحو التأجيج والتصعيد، مما أحرج قوى المعارضة التقليدية، وهو مالم يكن في الحسبان، مما حدا بالمعارضة أن تضع العصا في حصان الحراك الشبابي كي يتوقف لما رأت ضياع مكتسباتها و ارتخاء يدها عن تحريك الشارع، وهو ما سيسبب شرخا في الصراع، وقد يكون ذلك لصالح مؤسسة الحكم، ويتخوف المراقبون من أن صفقات تدار من الأبواب الخلفية لتفريغ الحراك من محتواه، والانكفاء على سلطة المعارضة، والعودة إلى نقطة الصفر!
لا ندري ستكشف لنا الأيام الكثير من الرؤى، ومن المستور، ولكن هناك مسألة لا ينبغي التهاون بها فالشباب مقدم على تغيير و على صدامات كبرى قد لا نستطيع توقيفه في الوقت المناسب!