كتاب سبر

كُلُ ما فِيه حسن

كجزء من تجربة اجتماعية قامت بها صحيفة الواشنطن بوست عن الإدراك الحسي والأولويات عند البشر، قام أحد أشهر وأفضل العازفين في العالم، بعزف أعقد مقطوعات بيتهوفن متنكراً في أحد دهاليس قطارات الأنفاق في العاصمة واشنطن !
لم يأبه المارة كثيرا بالعازف الكبير جوشوا بيل (المتنكر) وقد جمع طوال اليوم 32 دولاراً فقط، بالرغم من أنه كان قد قدّم ذات المقطوعة في حفلة عامة قبل يومين سابقين من هذا الحدث، فبيعت كافة تذاكر دخول الحفل والبالغ سعر الواحدة منها 100 دولار.
الشاهد .. هو أن اسم الشهرة يفرض نفسه ويكون جزءاً من تقييم العمل، فلو قالوا لنا ان هذه اللوحة لدافنشي مثلاً، فاننا سننظر باعجاب ونحن نبحث عن مواطن الجمال بها، موهمين أنفسنا بالتمتع الفني فيها، بينما لو كانت لوحة لفنان مبتدئ -حتى وإن كانت رائعة- فإننا نقوم ذاتياً بتشغيل آلية النقد والتدمير على الفور !
كُنت، ولا زلت .. أنظر كثيراً عن بعد إلى اولئك الواقفين بتأمل مقدس أمام صور وسِيَر رواد التيارات الليبرالية والعلمانية والشيوعية و و و و وكل ما هو بعيد كُل البُعد عن الفكر الإسلامي، والمتأثرين بتجارب ورموز الغرب، وأنا ادرك أن أكثرهم وربما جميعهم يزداد سذاجة كلما ازداد رصيده المعرفي بتلك الرموز وآرائها وتجاربها الفكرية -في حال أغفل النظر عامداً عن رموز وتيارات فكرية إسلامية سواء اكان يختلف معها أو يتفق- بالمجمل، فإننا في جميع مجالات الحياة نتأثر بالدعاية والإبهار الإعلامي ، ونعطيها دوراً كبيراً في تقدير وتقييم العمل عن حق أو عن غير حق، وهذا ما لا يُقِرُ به أشباه الرجال وانصاف المثقفين، الذين يجعلون “الإبهار الاعلامي” طريقهم للوصول إلى ما يصبون إليه !
جماعة (الإخوان المسلمين) تأسست عام 1929م .. كحركة دينية سياسية تسعى للنهوض بالأمة وإحياء الخلافة الإسلامية من جديد، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا وهي محاربة من قبل الأنظمة عبر أجهزتها البوليسية والإعلامية والدينية، وعن طريق النفرات والحفنات الاجتماعية المحسوبه عليها .. كـ الكتاب في الصحف، والأساتذه في المعاهد والجامعات، والإعلاميون من خلال برامجهم، وكل عاهه إتخذ من مصطلح ناشط لقباً له في المجالات الاقتصاديه والسياسية .. ألخ !
ونتيجةً لكُل ذلك الظلم والاضطهاد، وحملات التشويه والتدليس والتطوير،  والذي استغرق قرابة المائة عام، فُرِض على (الجماعه) اسماء واوصاف شهرة لا تبت لها بِصلةٍ من قريبٍ أو من بعيد .. (المتسلقين) .. (المتأسلمين) .. (المتسترين بالدين) (أعداء الأمة) مما أدى إلى ترسيخ صورة سلبية وانطباع سيئ في أذهان نسبة كبيرة من شرائح عوام المسلمين، لذا أصبح تقييم عمل وأداء وممارسات الإخوان المسلمين جزءا من اسم الشهرة الذي فرضته الديكتاتوريات المتأسلمة ،فنجد أن الغالبية من تلك الشرائح تكره (الجماعة) لمجرد الكراهية، وتنفر من أفكارها رغم عدم معرفتها، وتسعى لتشويه صورتها التي لم يتسن إليها رؤيتها !
ويبقى العزاء في أن تحارب هذه الحركة قبل دخولها في طور التجربة من قِبل الشعوب المغرر بها، فهنيئاً لمحاربيها فيما تعيشه من تجارب سياسية من المحيط إلى الخليج .. ولكن !
ليتمعنوا جيداً في تناقضات أنظمتهم .. بالأمس تحارب كل ما يبت  للإخوان بصلة، واليوم تعوّل كثيراً على تركيا الإخوانية، وتستمر في تطبيع علاقاتها بتونس الغنوشية، وتتسابق على تهنئة مصر بعد تتويج أحد اعضاء مكتب الإرشاد رئيساً لها..