كتاب سبر

روايات المراهقين

لا يختلف عاقلان على قيمة الأدب وأهمية دور الأديب في المجتمع…فالأدب دعامة أسياسية لا يمكن لأي حضارة أن تقوم دون  وجوده ومساهمته في تكوينها …فإذا كان الشعر وحده وهو جزء وعنصر مهم في الأدب قد قال فيه أبو تمام:
ولولا خصالٌ سنّها الشعر ما درى
بناة العلا من أين تُأتى المكارمُ
فكيف بالأدب كله شعره ونثره…؟!
ودور الأديب في المجتمع يستمد أهميّته من قدرة الأديب على محاكاة مشاعر الناس والتعبير عن معاناتهم باختلاف طبقاتهم الاجتماعية وظروفهم المعيشيّة…؟!
ولكن بعض من ينتسبون للأدب لم يكونوا على قدر المسؤولية ولم يعوا حجم المسؤولية المنوطة بالأديب تجاه قومه ومجتمعه فأصبحنا نرى مع الأسف اتجاه كثير من كتّاب الرواية إلى الأسلوب المبتذل وتوغلهم في وصف المعاشرات المحرّمة لأبطال الرواية والتركيز فقط على سلبيات المجتمع وعرضها بصوره مبالغة فيها تخالف الواقع وعدم وضع الحلول المناسبة لهذه السلبيات وإن كانت هناك محاولات لوضع الحلول فغالباً ما تكون الحلول من وجهة نظر غربية لا تمت لديننا وتعاليمنا بصلة مما يؤكد ما ذكرته من قلّة وعي  هؤلاء بدور الأديب ومسؤوليته تجاه دينه ومجتمعه الإسلامي…؟!
فالأديب‏ ليس تاجراً يلعب على وتر الشهوات النفسية ودغدغتها ويبرر انسياقه خلف هذا الإسلوب الساقط بحجة أن (الجمهور عاوز كده) بقدر ما هو طبيب نفسي يجب عليه أن يعالج ويشخص الحالات النفسية التي تعتري الإنسان بدقة وبإسلوب واضح يفهمه محدود الثقافة قبل المتخصص ليأخذ بأيدي بني جلدته إلى مراقي الفلاح ولا يكون معول هدم سُلّط على ما تبقّى لمجتمعه من موروث أخلاقي جميل…فالإتجاه هذا بصرف النظر عن حرمته وانحطاطه لا يخدم المتجمع بشيء سوى موافقته لنزوات بعض المراهقين الذين قد يستعيضون عنه بمشاهدة الأفلام الخلاعية…؟!
يقول المازني (ولا فرق عندي بين أن تصف المسائل الجنسية -شاذة كانت أو غير شاذة- وصفا صريحا في قصد وأن تعري إنسانا في الطريق وتنزع عنه ثيابه)…؟!
ف(الكتابة عندنا يجب أن تكون لتهذيب النفس الناشئة لا لإسقاطها ولضبط الغريزة الحيوانية لا لإثارتها)…كما قال الرافعي.
وقد قال قديماً الدكتور أحمد حسين الطلماوي عن روايات إحسان عبدالقدوس وهو إمام لأكثر كتّاب أدب الفراش كما سماه العقّاد:
(من يتأمل معظم قصص إحسان التي أدارها على لسان أبطاله يجد أنها جاءت مناسبة لتفكير المراهقين محركة لغرائزهم يقبلون عليها إذا فيها ما يثير حواسهم وما يجعل شهواتهم تتراكض مستشرية في نفوسهم والصور الوصفية التي يعرضها لا يمكن أن تكون تصويرا اجتماعيا).
واستمرار هذا الإسلوب سيعصف بمفاهيم كثيرة لدى الكثير منّا وسيغيّر مسلماتنا…إن لم نتدارك أنفسنا وننأى بها عن هذا الإسفاف…؟!
وولعل السبب في اتجاه كثير من الطارئين على الأدب إلى هذا الأسلوب هو أن هذا الأسلوب…كما قال عزيز طلحة:
(لم يكلف الذين ولغوا فيه عناء ولا جهدا فليس هو الأدب الذي يستدعي بحثا أو تمحيصا، وليس هو الأدب الذي يتصل بالدراسات النفسية بسبب…ويكفي أن ننزل عن شيء من الأخلاق…ويكفي أن نستبيح شيئا من المجون والاستهتار ليخرج الناس أسلوبا جديدا ينفر منه الذوق وتمجه النفس)…
فعلى هؤلاء أن يعوا بأنهم لن يجنوا من وراء هذا الإتجاه والإسلوب -بعد الإثم- سوى الخيبة ووضعهم في سلّة واحدة مع الراقصات وأسافل المجتمع…؟!
وعليهم أن يدركوا بأنهم ساقطون حتى في موازين الأدب…فالأدب المكشوف منبوذ عند كبار أدباء العربية منذ ظهوره على أيدي بعض الزنادقة والمنحرفين…والكتابة المستورة التي تكتفي بالتلميح إذا كان التصريح مخلاً للآداب العامة هي التي تستطيع مقاومة الفناء السريع الذي يصيب روايات أدب الفراش…؟!!
وليت هؤلاء يعون قول المازني:
(والجسم الإنساني في الثوب المناسب أجمل منه وهو عريان. وأفتن أيضا. وكذلك الكتابة الصريحة أقل جمالا وفتنة من اللغة المستورة…ومزية التحفظ في الكتابة أنه يجعلها أقوى وأفعل وآنس وآسى وهو بعد ذلك آمن لأنه لا يهيج شهوة ولا يشغل الذهن بما هو أسمى وأروع)…؟!!
تويتر: a_do5y