كتاب سبر

حتى أنتِ يا سمية ؟!

ينتابني الذهول حين أمعن النظر في بعض الأشخاص الموالين لجهة ما والذين نصبوا أنفسهم للدفاع عنها والتحدث بلسانها في كل صغيرة وكبيرة ، وسبب ذلك الذهول هو أن كل تلك الشخصيات أجد بينها قاسماً مشتركاً وهو خلوّ رؤوسهم من الحكمة والحصافة وخلو ألسنتهم من الفصاحة واختيار الألفاظ المناسبة ، ودائماً ما “تجيب العيد” وتتسبب في تأليب الناس على تلك الجهة حمقاً منها فيكونون كمن : أراد نفعاً فضرّ من غير قصدٍ // ومن البرّ ما يكون عقوقا ، وكأن تلك الجهة بالفعل قد عجزت عن إيجاد حليف أفضل من الموجود حالياً ، أو أنها تعتمد على المثل القائل: “الجود من الموجود” ، وتستعير عبارة الرمز النصراوي عبدالرحمن بن سعود رحمه الله لتقول : النصر بمن حضر.
بعض الجبناء يغريهم نوم الأسد في عرينه فينهالون عليه بالسبّ والشتم والتطاول وهو عنهم في شغل فالنوم سلطان، ولكنهم يحكمون على أنفسهم بالإعدام “أكلاُ” حين يغريهم نوم ذاك الأسد أكثر وأكثر ليتقدم أشقى القوم فيلطمه على وجهه لطمة توجعه فتوقظه ، فيبدأ بالاقتصاص منهم واحداً تلو الآخر وعندها لن يكون الترتيب بحسب الإساءة بالطبع بل سيكون بحسب الأسمن والأكبر وزناً ولا عزاء للمربربين ، ولهذا قالوا قديماً “إيّاك أن تصفع أسداً نائماً” !
حين اختلى أصدقاء يوليوس قيصر به في قصره ليقتلوه ، وحين انهالت خناجرهم تنهش من جسده ، وحين كان يهمّ بمفارقة الدنيا على إثر خيانة أصدقاء الأمس وأعداء اليوم ، طعنة واحدة فقط من بين كل تلك الطعنات هي التي آلمته أشد الألم ، وفتكت به أشد الفتك ، إنها طعنة بروتس الذي أحسن إليه يوليوس قيصر كثيرا ، ومنحه الثقة المطلقة وأحاطه بالحب الكبير ، حتى قال يوليوس قيصر – وهو مقبل على الموت – جملته الشهيرة التي أصبحت مضرب مثل فيما بعد : “حتى أنت يابروتس” ؟! .
“حتى أنت يابروتس”؟! ، قالها يوليوس قيصر حين سقط قناع بروتس وبدا وجهه الحقيقي ، ويحقّ لكل أحد أن يقولها لمن نال ثقته وحظى بتأييده وحبّه ، لكنه في ليلة ذات غباء ، سدّد له طعنة لا سلّمه الله بعدها إن سلم منها المطعون ، وعلى الباغي تدور الدوائر .
في مضارب بني “تعس” حاولت سمية ذات يوم أن تستدرج عنترة بعبارة “اشرب ياكاويني” بعد أن هيأت له كل ما يريد من الأصفر والأحمر والاقحواني والمودماني ، لكنّ عنترة أبى لأنه أراد أن يشرب بالعزّ كأس الحنظلِ ، فأثبت لها بأنه أسد وإن طالت نومته فإنه إن استيقظ سيستيقظ أسداً ولن يصيّره طول نومه قطّاً أبداً ، وأّنه لا تغريه الملذّات ولا المكرمات ، وأن “الكرامة” والمروءة تلصق به كما تلصق البمبرة في الرخام الأملسِ ، وأن الرضوخ والخنوع يبعد عنه كبعد العبدلي عن خطّ وفرةِ ، وأن مصير كلّ من يراهن على صبر أسد مصفوع على وجهه رفسة كرفسة الحصان في بطن قطوةِ ، وأن عبارات السبّ والشتم من قبل سميّة وأشباهها لن تؤثر فيه وسيواجهها مستعيراً عبارة يوليوس قيصر الشهيرة ولكن بتهكم وسخرية هذه المرة قائلاً “حتى أنت ياسميّة”؟!
 منصور الغايب