كتاب سبر

سيكولوجية الجماهير- الغوغائية

يقول المولى تبارك اسمه وجل ثناؤه في سورة الحجر} قال ربِ بما أغويتني لأزينن لهم في الأرضِ ولأغوينهم أجمعين {. اشارة الآية الكريمة إلى تفصيل لسان حال الشيطان وهو يخاطب رب العزة والجلال بأن يغوي بني البشر ” يدعوهم إلى المعاصي” واستثنى منهم عباد الله المخلصين الذين قدرت لهم الهداية ، فلا سبيل للشيطان أن يصل لهم ويغويهم بعد أن عصمهم  الله من وسوسة الشيطان، و إذا كان هذا الإغواء من عمل الشيطان وهو الفعل الأقرب لكلمة الغوغاء فإن كل حال يكون به ما يسمى بالغوغاء هو من عمل الشيطان ، والغوغاء جاءت في اللغة انها الضجة والصوت والجَلَبَةُ ، وهي الرعاع من الناس سموا كذلك لكثرة لغطهم وصياحهم – أي- الكثير المختلط من سفلة الناس، وهي الجراد حين يخفُ للطيران. 
وقد أطلق كارل ماركس على الغوغاء اسم “لومب بروليتاريا” وقصد به العناصر المتفسخة المهترئة التي تعيش على هامش الطبقة العاملة، وهو يصفهم بقوله، “هذه الحشرات الجامدة، حثالة أدنى جماعات المجتمع القديم، فقد تجرهم ثورة البروليتاريا إلى الحركة، ولكن ظروف معيشتهم وأوضاع حياتهم تجعلهم أكثر استعداداً لبيع أنفسهم للرجعية”. وقد فسر ذلك المؤرخ غوستاف لوبون بأن الجماهير بحاجة الى من يقودها ويحميها لأنها عبارة عن قطيع لا يستطيع الاستغناء عن راع يقوده”. 
ومعنى هذا ان الجماهير لا تفكر عقلانيا، وهي معرضة للتأثير العميق، ومن يعرف ايهامهم يصبح سيدا عليهم، فالجمهور ” غالبا ما يكون من دون ذاكرة” فلا تحاسبه وتتغاضى عن الوعود التي لا تتحقق.
هنا أود أن أصارح القارئ  الكريم بخطر “الغوغائية” على الانسان بعد أن فصلنا في معناها الفقهي واللغوي ،لأنها أصبحت ظاهرة اجتماعية  لا يخلو مجتمع منها ، ومما لا شك فيه أن الغوغائية منتشرة في كل مجتمع مصحوب بالجهل، فالإنسان عدو ما يجهل، وقد قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( الناس ثلاثة عالم رباني ‘ ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع غوغاء أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق )، وقد جيء إلى الإمام علي بن أبي طالب، في يوم من أيام خلافته، برجل اقترف ذنباً، وكان الرجل محاطاً بجماعة من الغوغاء يهرِّجون حوله ويحاولون الاعتداء عليه، فصاح فيهم الإمام قائلاً: “لا مرحباً بوجوه لا تُرى إلا عند كل سوأة”. 
والواقعة هنا تثبت لنا أن الغوغاء كثيراً ما تظهر أصواتهم بشكل هياج محموم لا رادع له ولا هدى فيه، وقال الدكتور الوردي في هذا الشأن اننا لا ننكر أن الشعب والغوغاء قد يظهران في جبهة واحدة في بعض الأحيان، ولكن هذا لا يجيز لنا أن نخلط بينهما في جميع الأحيان ، فالمصلحة العليا للشعب تظهر من القرارات التي يسودها الهدوء وتميل إلى الأكثرية المتماسكة بالقانون وليس المتمددة على هوامش الرصفان وأنا أعلم تماماً أن أكثرية الناس من أبناء الشعب لا يستسيغون هذا الكلام  ولا يتحملون سماعه وخصوصا الشباب المتحمسون، فقد تكونت لديهم في هذه الأيام “حساسية” شديدة نحو ما يريدون ، وارجو منهم أن يدرسوا طبيعة الحال قبل أن يتحمسوا في التجربة ، فربما كان الحماس الشديد ضاراً بهذا الشعب أكثر مما هو ضار بأي شعب آخر.
almujanii@hotmail.com
@AlMujanni