ترافع مكتب المحامي د.خالد الكفيفة في قضية الزميل عياد الحربي التي حجزت إلى 07 يناير المقبل والمتهم بها بالإساءة إلى سمو الأمير، إذ طالب بإحالة الدعوى الي المحكمة الدستورية العليا للفصل في عدم دستورية المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، لمخالفتها نصوص المواد 30 ، 32 ، 36 من الدستور الكويتي.
وجاءت المرافعة كالتالي:
إن الدساتير الحديثة في أغلب دول العالم- ومنها الدستور الكويتي- قد وضعت للحرية الشخصية قدر عالي ومقام سامي، فاعتبرتها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها.
وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية – بطريق مباشر أو غير مباشر – أخطر القيود وأبلغها أثرا. ويتعين بالتالي أن يكون إنفاذ القيود التي تفرضها القوانين الجنائية على الحرية الشخصية، رهنا بمشروعيتها الدستورية دون حد أو انتقاص. ويندرج تحت ذلك، أن تكون محددة بصورة يقينية لا التباس فيها. ذلك أن هذه القوانين تدعوا المخاطبين بها إلى الامتثال لها كي يدفعوا عن حقهم في الحياة، وكذلك عن حرياتهم، تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة. ومن ثم كان أمرا مقضيا، أن تصاغ النصوص العقابية بما يحول دون انسيابها أو تباين الآراء حول مقاصدها، أو تقرير المسئولية الجنائية في غير مجالاتها عدوانا على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور.
فالدستور الكويتي – انطلاقاً مما سبق – أرسي مبدأ هام لإضفاء المشروعية علي الجرائم والعقوبات، ألا وهو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، صيانة منه لحقوق الأفراد ولحريتهم الشخصية، التي لا يجب النيل منها تحت أي مسمي، ولو كان باسم القانون، فنص الدستور الكويتي في مادته الثلاثون علي “الحرية الشخصية مكفولة”، كما نص في مادته الثانية والثلاثون على “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون…“، كما نص في مادته السادسة والثلاثون علي ” حرية التعبير والبحث العلمي مكفوله، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما…“.
ويعني مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، أي أن مصدر الصفة غير المشروعة للفعل هو نص القانون، ويقال لهذا النص “نص التجريم“، وهو في نظر القانون الجزائي يشمل قانون العقوبات والقوانين المكملة له والقوانين الجزائية الخاصة.
فيشترط أن يحدد في كل نص الشروط التي يتطلبها في الفعل كي يخضع لهذا النص، ويستمد منه الصفة غير المشروعة، ويحدد العقوبة المقررة لهذا الفعل، وبالتالي فإن القاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلاً معنياً جريمة إلا إذا وجد نصاً يجرم هذا الفعل، ويحدد أركانه تحديداُ واضحاً لا لبس فيه أو غموض، فإذا لم يجد مثل هذا النص فلا سبيل إلى اعتبار الفعل جريمة ولو اقتنع بأنه مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين.
فالقاعدة الدستورية التي أرساها الدستور الكويتي والمحكمة الدستورية العليا تقضي بأنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون)، وأن الحرية الشخصية حق طبيعي، وأنها مصونة لا تمس، وهو ما يقتضي وجوب صدور نصوص التجريم والعقاب من السلطة التشريعية، وضرورة أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة، وأن يكون لكل جريمة ركن مادي محدد بصورة وافيه وقاطعة لا قوام لها بغيره.
فلابد أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الأفعال.
وأساس هذا المبدأ هو حماية الفرد وضمان حقوقه وحريته وذلك بمنع السلطات العامة من اتخاذ أي إجراء بحقه ما لم يكن قد ارتكب فعلا ينص القانون عليه وفرض على مرتكبيه عقوبة جزائية محددة الأركان.
وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا الكويتية “وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن النص في المادة (30) من الدستور على أن “الحرية الشخصية مكفولة” وفي المادة (32) منه على أنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون…” وفي المادة (33) منه على أن “العقوبة شخصية” يدل – وحسبما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية – التي يمارسها وفقاً للدستور – الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، وأن اتخذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنياناً لإقراره، وأساساً لتأكيده إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد محتواه ومضمونه، بحيث لا يكون إنفاذه إلا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها، ولازم ذلك أنه يجب أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الأفعال التي يتعين عليهم اجتنابها وذلك تحقيقاً لهدف المشرع من العقوبة وهو الزجر الخاص للمجرم جزاءً وفاقاً لما اقترفته يداه من جرم، والردع العام لغيره لحمله على الإعراض عن إتيان الجرم، كذلك فإن مراعاة الحرية الشخصية تقتضي عدم إعمال نصوص عقابية يساء تطبيقها بالنسبة إلى المراكز القانونية القائمة للمخاطبين بها “
(المحكمة الدستورية العليا – الطعن رقم 6 لسنة 2007 دستوري – جلسة 16 من ربيع الآخر 1428هـ الموافق 22 من ابريل 2008) وفي ذات المعني (الطعن رقم 1 لسنة 2009 دستوري – جلسة 14 من جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 7 من يونيه 2009)
ولما كان ذلك كذلك، وكانت المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، قد جاءت عامة غير محددة في بيانها لجريمة الطعن في حقوق الأمير وسلطته، أو العيب في ذات الأمير، أو التطاول على مسند الإمارة، حيث نصت علي “يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة“.
فجاءت عباراتها واسعة وفضفاضه غير محددة بشكل واضح وقاطع، فلم توضح المقصود بالطعن الذي يمثل عنصر بالفعل المادي للجريمة، هل هو الانتقاد أم الانتقاص أم الانكار أو الانقلاب، والا يكون الطعن بهذه الصياغة يشمل جميع التفسيرات والتأويلات مما يسمح بالتعدي علي الحقوق والحريات الدستورية، وكذلك لم تحدد حقوق الامير وسلطاته المختلفة (السيادية منها أو التشريعية والتنفيذية) التي يعد الطعن عليها جريمة، كما لم يوضح ماهية العيب الذي يعد عيباً وأساءة في ذات الامير، كما لم يحدد أو يوضح ماهية التطاول علي مسند الامارة، وما هي حدود هذا التطاول، وذلك كله حتي لا تصطدم هذه الافعال بحق الافراد في حريتهم عن التعبير عن ارائهم المنصوص عليها في الدستور بالمادة رقم 36 التي تنص علي “حرية التعبير والبحث العلمي مكفوله، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما…“.
فمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات من أهم المبادئ التي يرتكز عليها القانون الجنائي الحديث، المبدأ الذي يقرر أن لا مسئولية جزائية إلا بالأفعال مؤثمة محددة بصورة قاطعة، أي أن العقوبة لا تشًرع إلا بعد تحديد الأفعال المؤثمة تحديداً واضحاً لا لبس فيه، فمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هي قوام المسئولية الجزائية.
ولقد أستقر الفقه والقضاء إن الأصل في النصوص العقابية، أن تصاغ في حدود واضحة وضيقة narrowly tailored تعريفا بالأفعال التي جرمها المشرع، وتحديدا لماهيتها وبيانها بشكل لا لبس ولا غموض به، لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق وحريات كفلها الدستور للمواطنين،ولا يكون سبب للانتهاز واستغلال هذا الإبهام بمقاصد وأهداف غير التي يسعي المشرع لتحقيقها. ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة، وتقرير أحوال فرضها، مما يدخل في إطار تنظيم الحقوق والحريات، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع، إلا أن هذه السلطة مقيده بمبادئ وقواعد الدستور. ولازمها ألا تكون النصوص العقابية شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها، أو بخفائها، من يقعون تحتها، أو لا يبصرون مواقعها.
فلا يجب أن يحوط النص العقابي تجهيل أو غموض، في هذا المعني قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية “وحيث أن غموض النص العقابي مؤداه أن يجهل المشرع بالأفعال التي أثمها، فلا يكون بيانها جليا، ولا تحديدها قاطعا أو فهمها مستقيما، بل منبهما خافيا. ومن ثم يلتبس معناها على أوساط الناس الذين لا يتميزون بعلو مداركهم ولا يتسمون بانحدارها، إنما يكونون بين ذلك قواما، فلا يقفون من النصوص العقابية على دلالتها أو نطاق تطبيقها، بل يكون حدسهم طريقا إلى التخبط في شأن صحيح مضمونها ومراميها، بعد أن أهمل المشرع في ضبطها بما يحدد مقاصده منها بصورة ينحسم بها كل جدل حول حقيقتها، مما يفقد هذه النصوص وضوحها ويقينها، وهما متطلبان فيها، فلا تقدم للمخاطبين بها إخطارا معقولا fair notice بما ينبغي عليهم أن يدعوه أو يأتوه من الأفعال التي نهاهم المشرع عنها أو طلبها منهم. وهو ما يعني أن يكون تطبيق تلك النصوص من قبل القائمين على تنفيذها عملا انتقائيا، محددا على ضوء أهوائهم ونزواتهم الشخصية، ومبلورا بالتالي خياراتهم التي يتصيدون بها من يريدون، فلا تكون إلا شراكا لا يأمن أحد معها مصيرا، وليس لأيهم بها نذيرا. As generally stated, the void – vagueness doctrine requires that a penal statute define the criminal offense with sufficient definiteness that ordinary people can understand what conduct is prohibited and in a manner that .does not encourage arbitrary discriminatory enforcement ” (المحكمة الدستورية العليا المصرية – القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة يوم السبت 5 يوليو سنة 1997، الموافق 30 صفر 1418 هـ )
ولا أن تكون عبارات النصوص العقابية واسعة وفضفاضة، تميل للميوعه، فتفقدها هدفها، في هذا المعني قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية ” وحيث إن النصوص العقابية فضلا عن غموضها، قد تتسم بتميعها من خلال اتساعها وانفلاتها. وهي تكون كذلك إذا كانت – بالنظر إلى المعنى المعتاد لعباراتها – لا تنحصر في تلك الأفعال التي يجوز تأثيمها وفقا للدستور، بل تجاوزها إلى أفعال رخص بها الدستور أو كفل صونها بما يحول دون امتداد التجريم إليها، وهو ما يعني مروقها عن حد الاعتدال وإفراطها في التأثيم، فلا يكون نسيجها إلا ثوبا يفيض عنها، ولا يلئتم وصحيح بنيانها broad and fluid determination ” (المحكمة الدستورية العليا المصرية – القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة يوم السبت 5 يوليو سنة 1997، الموافق 30 صفر 1418 هـ )
ولا أن تكون بالقواعد العقابية غلواً أو تفريطاً في تحديدها، مما يفقدها فاعليتها، في هذا المعني قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية ” وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض وكذلك على صعيد علاقاتهم بمجتمعاتهم، إلا أن القانون الجنائي يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما لا يجوز التسامح فيه اجتماعيا من مظاهر سلوكهم. وشرط ذلك أن يكون الجزاء الجنائي حائلا دون الولوغ في الإجرام، ملبيا ضرورة أن يتهيأ المذنبون لحياة أفضل، مستلهما أوضاع الجناة وخصائص جرائمهم وظروفها، نائيا بعقابهم عن أن يكون غلوا أو تفريطا بما يفقد القواعد التي تدار العدالة الجنائية على ضوئها فعاليتها. ويتعين بالتالي أن يكون الجزاء الجنائي محيطا بهذه العوامل جميعا وأن يصاغ على ضوئها، فلا يتحدد بالنظر إلى واحد منها دون غيره single-valued approach ” (المحكمة الدستورية العليا المصرية – القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة يوم السبت 5 يوليو سنة 1997، الموافق 30 صفر 1418 هـ )
فخروج النص العقابي عما سبق بيانه، يجعله يخل بحقوق الأفراد، الذين ينعمون بالعيش في مجتمع ديمقراطي، متعارضاً مع ما تبناه الدستور بالرعاية، في هذا المعني قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية “وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديموقراطى، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر صونها مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية تؤمن لكل إنسان تلك الحقوق التي تتكامل بها شخصيته، ويندرج تحتها ألا تكون النصوص القانونية كاشفة بمضمونها أو أثرها عن معاقبتها للشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، إذ لا يجوز أن يكون الاتهام الجنائي متلاحقا، متحينا الفرص التي يكون فيها مواتيا، منتهيا إلى إدانة أكثر احتمالا، ليظل المتهم قلقا مضطربا، مهددا من سلطة الاتهام ببأسها ونزواتها، تمد إليه بطشها – ومن خلال مواردها المتجددة – حين تريد، متحملا بذلك أشكالا من المعاناة يجهل معها مصيره، فلا يأمن أن تعيده من جديد لدائرة اتهامها توكيدا لسلطانها، ولو استنفد القصاص منه الأغراض التي توخاها ” (المحكمة الدستورية العليا المصرية – القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة يوم السبت 5 يوليو سنة 1997، الموافق 30 صفر 1418 هـ )
وفي هذا المعني قضت أيضاً المحكمة الدستورية البحرينية “وبالتالي لا يتصور وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل على توافر العلاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية لا تعتبر واقعة في منطقة التجريم إلا إذا كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وإنما مجرد نوايا يضمرها الإنسان في أعماق ذاته، ولم يتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
وحيث إن القوانين العقابية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، فإن الدستور قد وضع على تلك القوانين قيوده الصارمة وضوابطه الواضحة، حتى لا يتخذها المشرع وسيلة للذهاب بجوهر الحرية. ومن أهم هذه الضوابط ضرورة أن تكون درجة اليقين التي تنظم أحكام القوانين العقابية في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين من أية تشريعات أخرى. ويتعين بالتالي – ضماناً لهذه الحرية- أن تكون الأفعال التي تؤثمها محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها. كما أن غموض مضمون النص العقابي يؤدي إلى أن يُحال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة، تُعَيِنُ بموجبها أركان كل جريمة ، وتُقَرِرُ بها عقوبتها بما لا خفاء فيه أو لبس، وهي قواعد لا ترخص فيها ، وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه. ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها. ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التي تفرضها القوانين العقابية محددة بصورة يقينية، لأنها تدعو المخاطبين بها على الامتثال لها لكي يدافعوا عن حقهم في الحياة، ويدفعوا عن حرياتهم تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة، بحيث لا يجوز تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها، وهو ما يخل في النهاية بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة (20/ج) من الدستور “
( الدعويين المقيدتين بجدول المحكمة الدستورية برقم د/3/04 و د /4/04 لسنة (2) قضائية – جلسة يوم الاثنين الموافق 26يونيو سنة 2006م 30 جمادى الأولى سنة 1427 هـ )
وقد ارست المحكمة الدستورية العليا المصرية هذا المبدأ في الكثير من أحكامها، علي النحو التالي:
• إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإن اتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنيانا لإقراره توكيده ، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد من محتواه، فلا يكون إنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونهاIn Favorem ولا يجوز بالتالي إعمال نصوص عقابية يسئ تطبيقها إلى مركز قائم لمتهم ، ولا تفسرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها. ولا مد نطاق التجريم، وبطريق القياس، إلى أفعال لم يؤثمها المشرع.
(القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية – جلسة 22 فبراير سنة 1977 – نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 10 فى 6/3/1997& والقضية رقم 84 لسنة 17 قضائية دستورية – جلسة 15 مارس سنة 1997 – نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 13 فى 27/3/1997(
• إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد على ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التي توخاها: أولاهما : أن تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض فلا تكون هذه النصوص شبكا أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهي بعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها فلا يكون سلوكهم مجافيا لها ، بل اتساقاً معها ونزولاً عليها .ثانيتهما : ومفترضها أن المرحلة الزمنية التي تقع بين دخول القانون الجنائي حيز التنفيذ وإلغاء هذا القانون ، إنما تمثل الفترة التي كان يحيا خلالها ، فلا يطبق على أفعال أتاها جناتها قبل نفاذه ، بل يتعين أن يكون هذا القانون سابقا عليها La Ioi Prealable فلا يكون رجعياً
(القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية – جلسة 22 فبراير سنة 1977 – نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 10 فى 6/3/1997 & والقضية رقم 84 لسنة 17 قضائية دستورية – جلسة 15 مارس سنة 1997 – نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 13 فى 27/3/1997(
• إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد التحكم فالا يؤثم القاضي أفعالا ينتقيها، ولا يقرر عقوبتها وفق اختياره إشباعا لنزوة أو انفلاتاً عن الحق والعدل وصار التأثيم بالتالي، وبعد زوال السلطة المنفردة، عائداً إلى المشرع، إذ يقرر للجرائم التي يحدثها، عقوباتها التي تناسبها.
(القضية رقم 84 لسنة 17 قضائية دستورية – جلسة 15 مارس سنة 1997 – نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 13 فى 27/3/1997 & القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية – جلسة 22 فبراير سنة 1977 – نشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 10 فى 6/3/1997)
من العرض السابق
نجد أن المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، قد جاءت غير واضحة المعالم فيما يخص تحديدها لجريمة الطعن في حقوق الأمير وسلطته، أو العيب في ذات الأمير، أو التطاول على مسند الإمارة، – مخافة بذلك ما نص عليه الدستور الكويتي، وما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية، وما استقر عليه الفقه والقضاء -، فلم تضع حداً فاصلاً بين حقوق الأمير وسلطاته وبين حقوق الأفراد في إبداء أرائهم بحرية تامة، فلم توضح ماهية حقوق وسلطات الأمير، حتى يقف المخاطبون بالقانون علي حدود تلك السلطات والحقوق، حتى لا يتجاوزوها، وفي المقابل بيان حدود الدولة بالنسبة لحقوق الأفراد في حريتهم في التعبير عن الرأي، فلا تتجاوزه، وتتخذ القانون كأداة للتعدي علي حقوق الأفراد في حريتهم عن التعبير، فلا بد من وضع خط فاصل في هذا الشأن، لمعرفة متى يكون التجريم، ومتي تكون الإباحة، فالمعلوم أن الدستور الكويتي توسع في صلاحيات وحقوق الأمير، بحيث تداخلت هذه السلطات بالأعمال التشريعية والأعمال التنفيذية التي ترتبط بالحياة العامة في الدولة، سواء الوظيفية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، لاسيما وأن أمير دولة الكويت يمارس كثير من سلطاته وصلاحياته من خلال وزراء الدولة وممثلي مجلس النواب.
فبدون جدال، نقر بالمكانة السامية لسمو أمير دولة الكويت، المنصوص عليها بالدستور، الذي يقرها ويؤيدها الشعب الكويتي، فلا نقبل بالمساس بها، وفي المقابل لا يجوز الجور علي حقوق وحريات الأفراد التي اقرها لهم الدستور الكويتي، ولا أن يتعدي النص التجريمى المبادئ والقواعد الدستورية الراسخة.
ثانياً: انتفاء أركان جريمة العيب في ذات الامير والطعن في حقوقه والتطاول علي مسند الامارة في حق المتهم طبقاً لنص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء:
تنص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء علي “يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة“
فالمشرع طبقاً لنص المادة سالفة الذكر، أشترط لقيام جريمة العيب في ذات الأمير والطعن في حقوقه والتطاول علي مسند الإمارة في حق المتهم توافر ركنيها المادي: المتمثل في إتيان الجاني فعل مادي يمثل العيب في ذات الأمير والطعن في حقوقه والتطاول علي مسند الإمارة، بإحدى الطرق المنصوص عليها بهذه المادة (القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر)، والمعنوي: المتمثل في اتجاه نية المتهم وانصراف إرادته إلى إتيان هذا الفعل المؤثم.
فلا بد أن يقوم المتهم بالعيب في ذات الأمير والطعن في حقوقه والتطاول علي مسند الإمارة، – وفق نص المادة سالفة البيان – حتى تسري العقوبة في حقه، فإذا ما انتفي هذا انتفي العقاب، ونجد أن المشرع أشترط أن يكون هذا في مكان عام أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام، وغني عن البيان أن يكون الفعل الذي اتخذه المتهم – الذي يمثل عيب في ذات الأمير والطعن علي حقوقه والتطاول علي مسند الإمارة – يتضمن بالفعل هذا العيب وهذا الطعن وهذا التطاول، لا أن يكون الفعل مجرد رأي للمتهم لا يتضمن أي مساس بما سبق.
وبالنظر إلى أوراق الجناية الماثلة، نجدها انعدمت فيها الأركان- طبقاً للمادة سالفة الذكر – فلم يتوافر بها الركن المادي ولا المعنوي في حق المتهم، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الركن المادي:
وطبقاً لما سبق، وبالنظر إلى أوراق الجناية الماثلة، نجد أن المتهم لم يقوم العيب في ذات الأمير، أو الطعن في حقوقه، أو التطاول علي مسند الإمارة، كما جاء ببيان وصف التهمة بتقرير الاتهام، فكل ما حوته الأوراق عبارة عن أقوال – فلسفية وروائية تعبر عن خيال المتهم باعتباره روائي وصحفي وشاعر، فغالباً ما يستخدم الروائيون الخيال للتعبير عن أفكارهم الفلسفية – لا تحمل في طياتها أية أهانه للأمير، فلم يتطرق المتهم لاسم أو صفة أمير البلاد، فما تضمنته تحقيقات النيابة العامة من أقوال منسوبة للمتهم لا يخرج عن نطاق حرية التعبير عن الرأي المجرد من الطعن في حقوقه الأمير أو العيب في ذاته أو التطاول مسند الإمارة، ويمكن لهئية المحكمة الموقرة التأكد من هذا، من خلال بياننا لهذه الكلمات، ثم بياننا لحقوق الامير المنصوص عليه بالدستور للوقوف علي مدي اعتبار هذه الكلمات تمثل طعن في حقوق الامير أو العيب في ذاته أو التطاول علي مسند الامارة، ثم تعقيبناً علي أقوال ضابط ادارة مكافحة الجرائم الالكترونية.
ب- بيان حقوق الامير المنصوص عليه بالدستور:
سوف نقوم ببيان حقوق الامير المنصوص عليه بالدستور للوقوف علي مدي اعتبار كلمات المتهم تمثل طعن في حقوق الامير أو العيب في ذاته أو التطاول علي مسند الامارة.
فالبنظر الي حقوق وسلطات الامير المنصوص عليها بالدستور (سواء التشريعية أو التنفيذية أو غيرها مما نص عليه الدستور الكويتي)، نجد أن المتهم لم يمس أو يطعن أو يتطاول من قريب أو بعيد علي أياً من هذه الحقوق والسلطات، فلم يتطرق في تغريداته الي ذات أمير دولة الكويت، من الاساس، فلم تحمل كلماته أي شيء يطعن في سلطاته التشريعية، فلم يعلق علي تشريعه للقوانين، ولم يتطرق الي سلطاته التنفيذية، ولم يتطرق الي سلطاتة العسكرية، ولم يتطرق الي المعاهدات وابرامها، أو غيرها مما نص عليه الدستور الكويتي.
جـ- التعقيب علي أقوال ضابط ادارة مكافحة الجرائم الالكترونية:
إن الواضح من مطالعة أقوال ضابط ادارة مكافحة الجرائم الالكترونية بتحقيقات النيابة العامة، نجد أن أقواله جاء غير متسقه مع الواقع، ومالت جميعها الي الظنون والتخمينات التي تنحرف عن الحقيقة، فكانت اجابته علي الاسئلة تدور حول قصد المتهم !! فكيف علم بهذا القصد؟! وهل دوره التنقيب عن قصد المتهم، أم دورة يقتصر علي تقديم ادلة مادية؟!
فضابط ادارة مكافحة الجرائم الالكترونية، بذلك، تجاوز نطاق عمله المحصور في تقديم الادلة والتحريات للنيابة العامة، لا أن ينقب عما بداخل المتهم من قصود ونوايا، لا يعلمها الا الله، ويوجه من خلالها الاتهامات للمتهم من غير دليل مادي، فأننا كما أوضحنا بعاليه بأن المتهم لم يقصد بتغريداته سمو الامير، حيث جاءت كلها تغريدات عامة غير موجه لشخص بعينه، ومن ثم لا يجوز لضاط ادارة مكافحة الجرائم الالكترونية أن يوجه التهم للمتهم بناء علي قصد غير صحيح، ولا يجوز للنيابة العامة أن تبني اتهامها للمتهم بناءاً علي قصود ونوايا.
فلا يجوز ان توجه النيابة العامة الاتهام للمتهم بناء علي قصده، من دون فعل مادي يؤكد هذا القصد، فلا تقوم الجرائم علي القصد المجرد، دون وجود أفعال مادية مؤثمة.
فالقانون الجزائي يهتم أساساً بالفعل المادي المرتكب، ولذلك قيل إن “القانون الجزائي هو قانون أفعال”، فإن انتفى وصف الفعل انتفى مبرر تدخل هذا القانون.
فمن المتفق عليه فقهاً وقضاءً أن كل جريمة تتطلب فعلاً مادياً. فالركن المادي ضرورة في كل جريمة، فلا جريمة بغير نشاط مادي، فالفكرة الشريرة مهما كان رسوخها في النفس، والتصميم الإجرامي الجازم بسبق الإصرار، لا تقوم يهما جريمة طالما بقيا مجرد ظواهر نفسية لم تتخذ سبيلها إلى التعبير المادي الخارج عن كيان صاحبها، فالقانون الجزائي لا يحفل بالنوايا والأفكار حتى ولو قصد صاحبها بها ارتكاب جريمة، وذلك ما لم يتم التعبير عنها بسلوك مادي، ويعنى هذا أن انتفاء صفة الفعل يؤدى إلى نفى الجريمة ولو توافر الركن المعنوي، فلا جريمة بغير نشاط مادي ظهر إلى العالم الخارجي وقام الدليل عليه.
فالمعاقبة على النية الإجرامية المتجردة من الفعل المادي من شأنه أن يؤدى إلى اتساع نطاق تطبيق القانون الجنائي وإلى الإفراط في التجريم لينال مجرد الحالة الذهنية التي تقوم في نفس صاحبها، وهو ما ينال أهداف القانون الجنائي ذاتها، فلا يكاد يوجد امرئ لم توسوس له نفسه بفكرة شريرة، ومن شأن تجريم النوايا التي انطوت عليها النفس أن يتعارض مع الطبيعة النفسية التي طبع الإنسان عليها، بل أن من شأن تجريم النوايا والأفكار المجردة أن يكون كل شخص محلاً للعقاب عليها، والفعل المادي هو أداة التمييز بين الجرائم المختلفة والوقوف على طبيعتها، وعلى العناصر الداخلة فيها.
( الضوابط الدستورية لنصوص التجريم والعقاب في قضاء المحكمة الدستورية العليا – الدكتور/ أشرف توفيق شمس الدين، أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائي، وكيل كلية الحقوق بجامعة بنها)
ثانياً: الركن المعنوي (القصد الجنائي):
القصد الجنائي هو اتجاه إرادة الجاني إلي النشاط الإجرامي الذي باشره والي النتيجة المترتبة عليه، مع علمه بهما وبكافة العناصر التي يشترطها القانون لقيام الجريمة، فالقصد الجنائي ينطوي علي عنصرين هما العلم والإرادة، أي يتحقق باتجاه إرادة الجاني نحو إحداث النشاط الإجرامي والنتيجة معاً،(الأستاذ الدكتور/ احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم العام، دار النهضة العربية، طبعة عام 1996، ص 348).
فالمشرع أشترط لقيام هذه الجريمة توافر القصد الجنائي لدي المتهم باتجاه نيته الي العيب في ذات أمير الكويت أو الطعن في حقوقة أو التطاول علي مسند الامارة، وانصراف إرادته إلى إتيان هذا الفعل وإحداث نتيجته الاجرامية، فاذا ما انتفت هذه النيه انتفي القصد الجنائي للمتهم، ومن ثم تنهار هذه الجريمة.
إن أركان جريمة العيب في ذات أمير الكويت أو الطعن في حقوقة أو التطاول علي مسند الامارة بتوصيفها السابق بيانه – مادي ومعنوي – لم تتوافر في حق المتهم، فينبغي لقيام مسئولية المتهم جزائياً أن تتوافر لهذه الجريمة أركانها، من ركن مادي ومعنوي، فإذا تخلف احدهما لا تقوم لهذه الجريمة قائمة، والواضح الجلي من أوراق هذه الجنحة تخلف ركنيها المادي والمعنوي، بجميع عناصرهما.
وهذا ما أكدته أحكام محكمة التمييز ” قضاء الحكم المستأنف بإدانة المتهم عن تهمة تخلفت أركانها وأنكر المتهم اقترافها أثره لمحكمة التمييز إلغاءه فيما قضي به من إدانة المتهم والقضاء ببراءته”، (تمييز جزائي – الطعن رقم 83 لسنة 2002– جلسة 1/6/2004)،
لذلك ، فإن الحكم ببراءة المتهم في هذا الشأن، لهو وحده دون غيره الذي يصادف صحيح القانون والواقع.
ثالثاً: انتفاء أركان جريمة اساءة استعمال الهاتف في حق المتهم المعارض طبقاً لنص المادة الاولي من القانون رقم 9 لسنة 2001 بشأن استعمال اجهزة الاتصالات الهاتفية واجهزة التصنت:
تنص الفقرة الثالثة من المادة الأولي من القانون رقم 9 لسنة 2001 بشأن إساءة استعمال أجهزة الاتصالات الهاتفية وأجهزة التصنت علي ” ويحكم في جميع الأحوال السابقة بمصادرة الأجهزة المستخدمة في ارتكاب الجريمة “
فالمشرع طبقاً لنص المادة سالفة الذكر، أشترط لقيام جريمة إساءة استعمال وسائل المواصلات الهاتفية في حق المتهم توافر ركنيها المادي: المتمثل في إساءة استعمال هذه الوسائل بنشر عبارات وألفاظ تمس الآخرين، والمعنوي (القصد الجنائي): المتمثل في اتجاه نية المتهم وانصراف إرادته إلى تعمد إتيان هذا الفعل المؤثم.
وبالنظر إلى أوراق الجنحة الماثلة، نجدها انعدمت فيها الأركان، فلم يتوافر بها الركن المادي ولا المعنوي في حق المتهم، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الركن المادي:
يشترط لتوافر الركن المادي في إساءة استعمال وسائل المواصلات الهاتفية طبقاً لنص المادة سالفة الذكر، أن يقوم الجاني بنشر ألفاظ أو عبارات تمس الآخرين واعتبارهم.
وطبقاً لما سبق، وبالنظر إلى أوراق الجنحة الماثلة، نجد أن المتهم لم يسئ استعمال وسائل المواصلات الهاتفية قبل الأمير، فكل ما حدث أن المتهم كتب بعض المشاركات علي حسابه بموقع تويتر، فلم يقم بذكر الأمير لا من قريب ولا من بعيد، كما أوضحناه بالبند السابق بهذه المذكرة.
مما سبق، يتأكد لهيئة المحكمة الموقرة عدم اساءة المتهم المعارض استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية قبل الجريدة الشاكية، مما ينهار معه الركن المادي لهذه الجريمة.
ثانياً: الركن المعنوي (القصد الجنائي):
إن المشرع اشترط لقيام هذه الجريمة توافر القصد الجنائي لدي المتهم باتجاه نيته الي اساءة استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية، وانصراف إرادته إلى إتيان هذا الفعل وإحداث نتيجته الاجرامية، ويتضح ذلك جلياً مما جاء بالنص سالف الذكر “كل من أساء عمداً استعمال وسائل المواصلات الهاتفية” فاذا ما انتفي هذا العمد وانتفت هذه النيه انتفي القصد الجنائي للمتهم، ومن ثم تنهار هذه الجريمة.
وبالنظر الي اوراق الجناية، أن المتهم انعدم لدية القصد الجنائي في إتيان هذا الفعل المجرَم، فلم يسعي ولم تتجه إرادته إلي اساءة استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية قبل الجريدة الشاكية، فلم تأتي الاوراق بما يدل علي ذلك، الا أقوال مرسلة من ضابط الادارة تتحدث عن القصد، ويمكن لهيئة المحكمة الموقرة استخلاص انتفاء القصد الجنائي لدي المتهم من من أقوال المتهم بالتحقيقات. ومما سبق بيانه بالبند السابق بهذه المذكرة.
رابعاً: الامتناع عن النطق بعقاب المتهم:
تنص المادة رقم 81 من قانون الجزاء علي ” إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس، جاز للمحكمة، إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام، أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب، وتكلف المتهم تقديم تعهد بكفالة شخصية أو عينية أو بغير كفالة، يلتزم فيه مراعاة شروط معينة والمحافظة على حسن السلوك المدة التي تحددها على ألا تجاوز سنتين. وللمحكمة أن تقرر وضعه خلال هذه المدة تحت رقابة شخص تعينه، ويجوز لها أن تغير هذا الشخص بناء على طلبه وبعد إخطار المتهم بذلك.
وإذا انقضت المدة التي حددتها المحكمة دون أن يخل المتهم بشروط التعهد، اعتبرت إجراءات المحاكمة السابقة كأن لم تكن.
أما إذا أخل المتهم بشروط التعهد، فإن المحكمة تأمر – بناء على طلب سلطة الاتهام أو الشخص المتولي رقابته أو المجني عليه – بالمضي في المحاكمة، وتقضي عليه بالعقوبة عن الجريمة التي ارتكبها ومصادرة الكفالة العينية إن وجدت “
فطبقاً لنص المادة سالفة الذكر، فإن المتهم رغم تمسكه الدائم ببراءته مما هو منسوبة إليه، الا أنه يطلب من هيئة المحكمة الموقرة إن لم تقضي ببراءته، أن تقضي بالامتناع عن النطق عن عقابه، وذلك لأخلاقه ولماضيه، فالمتهم لم تصدر ضده أية أحكام جزائية مما ينم عن حسن أخلاقه واستواء ماضيه، فضلاً عن صغر سنة، فهو في مقتبل عمره ومستقبله، ومقبل علي الزواج وتكوين أسرة، فكل هذا يبعث الاعتقاد لدي هيئة المحكمة الموقرة بأنه لن يعود إلى الإجرام إًن صح نسبة هذا الجرم إليه، مما يكون جديراً بأن تقضي لهما المحكمة بالامتناع عن العقاب طبقاً لنص المادة سالفة الذكر.
فالمتهم يستحقا أن يعامل من هيئة المحكمة الموقرة بمزيد من الرأفة، بأن تقضي بالامتناع عن عقابه لما سبق بيانه.
وهذا ما أكدته أحكام محكمة التمييز “إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب عقوبة الحبس جاز للمحكمة إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمتهم أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث علي الاعتقاد بأنه لن يعود إلي الإجرام أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب، يدل علي أن الظروف التي تجيز للمحكمة التقرير بالامتناع عن النطق بالعقاب هي الظروف التي تكون سابقة علي وقوع الجريمة أو معاصرة لها، أما الظروف اللاحقة علي ذلك فلا تعد من الاعتبارات التي تبرر للمحكمة الامتناع عن النطق بالعقاب“.
(تمييز جزائي – الطعن رقم 19 لسنة 1996 – جلسة 4/11/1996)
أضف تعليق