تحقيقات

مختصون وقانونيون حللوا الظاهرة وحددوا مكامن الخلل
((سبر)) تقرع جرس الإنذار: المجتمع يرتدي ثوب الجريمة

* جميل المري: مجتمعنا لم يتأثر بعامل  الانضباط الديني الشرعي  

* سامي خليفة: الدولة مقصرة جدا في الدور التوعوي للمجتمع

* سهام القبندي: المشكلة تكمن في وقت الفراغ الطويل وغير الموجه  

* يوسف المطيري:  الحساسية المفرطة من سلوك الآخر.. سبب لهذه الجرائم

* عبدالله الأحمد: الظاهرة مرتبطة بالعوامل الاجتماعية

لم يكن تتابع الجرائم المرتكبة في الفترة الأخيرة إلا مؤشراً سلبياً على خلل ما في المجتمع، إما في السلوك الفردي، أو في القانون الجزائي، أو في التوجيه والتوعية، وإما في كل تلك الأمور مجتمعة، وهو ما يوجب التوقف والتأمل والبحث، في الوقت الذي بدأ المجتمع الكويتي يتجرد من كونه “مسالماً”.. ويتخلى قسراً عن تلك الصفة التي التصقت به ردحاً من الزمن، بينما هو يشهد موتاً متتالياً لأبنائه عبر جرائم بشعة وأخرى أكثر بشاعة وأخرى بلا أسباب أو دوافع منطقية،  آخرها جريمة مقتل الطبيب اللبناني جابر سمير في مجمع الأفنيوز الجمعة الماضي، ومن بعدها محاولة قتل الشاب البدون في محطة بنزين الصليبية وقبل ذلك دهس العسكري تحت عجلات سيارة صديقه في أحد المخيمات ثم قتل حارس مخيم مصري.. وغيرها وغيرها.

وفيما تشير إحصائية لوزارة الداخلية إلى أن عدد الجرائم المرتكبة في البلاد خلال الأشهر التسعة الماضية بلغ 15 ألف جريمة، بمعدل جريمة كل نصف ساعة، فإن ذلك يحتم على المسؤولين في أجهزة الدولة المختصة أن يقرعوا جرس الإنذار ليباشروا في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح قبل أن نتحول إلى مجتمع مجرم، وقبل أن تفلت الأمور من عقالها.
((سبر)) طرحت هذا الموضوع على عدد من المختصين في الشأن الاجتماعي والقانوني والنفسي، لعلها تعثر على الأسباب والمسببات وراء ارتفاع معدل ارتكاب الجريمة.. وخرجت بهذه الحصيلة: 
 
بداية قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور جميل المري ان الجميع يتكلم عن أمور الجرائم وكثرتها في البلد والتخلص منها وباختصار شديد فإن تفعيل القانون يقضى على هذه الامور من الظواهر السلبية والسيئة، مؤكدا ان القانون السماوي لاي ديانة هو ضبط الانسان الذي يتماشى معها، ونحن مسلمون وأصحاب ديانة سماوية والانضباط الديني الشرعي لم يؤثر فينا، خصوصا اننا في دولة محافظة، كما أن فئة الشباب لم تأثر من ناحية هذا حلال وهذا حرام.

وأضاف المري: “اما الجانب القانوني.. فالقانون وضعي فهو من تشريع الانسان الكويتي، لكن المسألة في تنفيذه وتطبيقه”، موضحا ان الجانب الروحي والديني لدى فئة من بعض الشباب غير مفعل على ارض الواقع فكأنه فقط شعائر وطقوس لاغلب الناس، وان جانب العبادات هو ان نصلي ونصوم واما جانب المعاملات فهو مهمل في حين يفترض ان يفعل لأن الدين ليس طقوساً وشعائر وحسب،  فهذه بين العبد وربه، ولكن يتطلب منه حسن التعامل مع الآخرين.

وقال المري ان القانون الوضعي لم يطبق ومخترق بسبب الواسطة، والجميع يشتكي من عدم تفعيل القانون، ولكن في الجانب الآخر نراه في دول أخرى خليجية مطبق والك يحترم قواعده وتعليماته على أحسن وجه.

وأكد أننا نحتاج الى الدين الى جانب القانون في تطبيقه، مضيفا: بعد جريمة (الأفنيوز) قال أهل القتيل إننا ننتظر حكم القضاء فهذا حكم مفصلي كانتخابات مجلس الامة مفصلية، فنوعية العقاب الذي ينزل على هذا المتهم اذا لم ينفذ حكم الله سبحانه وتعالى وحكم القانون فسوف ترى المجتمع يتجه نحو البعنف أكثر وأكثر وأكثر.. هناك من الشباب الطائشين والذين يحملون السكاكين وغيرها منتظرين ما هو الحكم الذي يصدر على القاتل اذا صدر حكم على سبيل المثال سجن عشر سنوات او اذا اصبحت هناك تراضي ما بين أهل القاتل والمقتول ويطلبون منهم ان يسامحوه، فاذا القانون لم يأخذ مجراه فلا طبنا ولا غدا الشر، مؤكدا ان هذه الحادثة مفصلية فاذا حكم فيها بالحكم الشرعي وحكم القانون الوضعي الصحيح فسوف نقطع دابر العنف لدينا في المجتمع.

غياب وزارة الداخلية

 أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية المفتوحة الدكتور سامي خليفة قال: 
 ان الجريمة اصبحت ظاهرة وشغلت المجتمع الكويتي بشكل واضح، والاهم في معالجة هذه الظاهرة من جميع نواحيها،كما ان الدولة مقصرة جدا في اتجاهين الاتجاه الاول في توعية المجتمع في اهمية ممارسة الدور التربوي بأبنائها سواء عبر وسائل الاعلام او عبر الوسائل التعليمية، وكذلك فإن وزارة الداخلية تتحمل مسؤولية كبيرة فهي  ليست لديها خطة واضحة لردع الجريمة قبل حدوثها او على الاقل التقليل من خطورتها وتداعياتها، على سبيل المثال لا توجد نقاط أمنية منتشرة ولا توجد نقاط تدخل سريع حتى يشعر المجتمع بأنه في أمان.

ان الجريمة التي حدثت قبل يومين وراح ضحيتها طبيب لبناني بدم بارد أمام مرأى في مكان عام استهتار كبير في الذوق الاجتماعي بالبلد وفي أجهزة الدولة المعنية بالامر بذلك، لذا على الحكومة المتمثلة بوزارة الداخلية وتحديدا وزير الداخلية ان يعيد الهيبة لتلك الاجهزة المعنية في هذه الجريمة، ان الجريمة اليوم وصلت الى درجة من الاستفحال حيث بدأت الاسر تتوجس خيفة من خروج أبنائنا من الأماكن والمرافق العامة.

 هناك دور في بذرة المجتمع وهي الاسرة، حيث لا يمكن للابناء والامهات في حال تركوا ابناءهم دون تربية الا ان نرى نتيجة الظاهرة التي نراها اليوم، فلا يعقل ان تترك الاسر دون تحذير من ان العقاب سيطول الاسرة ايضا في حال فشل تربية ابنائهم او في حال ترك هؤلاء الأبناء دون تعليم أو دون توعية…  فبعد ثلاثة حوادث مرت عليها الكويت خلال يومين لاشك ان هناك اثار سلبية كبيرة على المجتمع، لذلك على وزارة الداخلية دور مواجهة تلك الاثار ومحاولة الحد التقليل منها.

الفراغ وغياب الأهداف

أستاذة علم الاجتماع في جامعة الكويت ومديرة مكتب الاستشارات والتدريب بكلية العلوم الاجتماعية الدكتورة سهام القبندي قالت: 
 ان ما يصدر من الانسان من سلوك هو تعبير ما يحمل بداخله من أفكار، والملاحظ في السنوات الاخيرة ان الشباب لم تكن أهدافهم واضحة بالاضافة الى وقت الفراغ بالنسبة لهم طويل وليس موجها، وهناك مشكلات كثيرة نلمسها في الواقع الكويتي.

وذكرت القبندي ان الحادث الاخير ان القتيل لبناني والجاني من غير محددي الجنسية وفي الاخير الانسان يبقى نتاجاً للظروف التي يعيشها، واذا كانت الانسان ظروفه مربكة غير مرتبة لا يشعر بالاستقرار النفسي والاستقرار الاسري والوظيفي فهذا يؤثر عليه، وهذا الانسان معدل نظرته لنفسه اذا لم تكن متوازنة فبالتالي أي مثير خارجي يجعله ردود فعله غير متوقعة،  الجرائم عموما وبشكل او بآخر لها مسبباتها وبالتالي كل جريمة أحداثها، وقبل سنة تقريبا صارت أحداث من بعض الشباب في مجمع المارينا الذي راح ضحيتها الشاب ايراني الجنسية.

 ان الفترة الزمنية لا نستطيع ان نغفلها، لو رصدنا بالفعل هذه الجرائم او هذه الاحداث من الذي يفعلها نرجع ونقول بأنهم أغلبهم شباب ومراهقون والمراهق يكون مندفعاً باحساسه ومعتزا بشخصيته ويريد ان يثبت رجولته فبالتالي بجهده أمام مرأى من الناس يحب يحقق بطولة لا يحب ان يكون مهزوماً فبالتالي اسباب كثيرة تدخل ولكن الشخص لا يدركها وبالفعل هي اسباب كثيرة تجعل الشخص السلوك الذي يخرج منه له دافع معين والدافع هو الذي يعرفه.

 ان الأسرة لها الدور الكبير في التربية، وعندما الاسرة تحدد المعايير الصحيحة، الصح من الخطأ واحترام الاخر، وتبين الحقوق والواجبات ولابد من تعليم ضبط النفس، وامور كثيرة لابد ان يتعلمها الانسان داخل أسرته وايضا المدرسة من خلال المواد العلمية او تعليم السلوكي او المهارات الانسانية او الحياتية، لا يحتاج الشخص فقط الى ان يتعلم او يتربى الى علوم ورياضيات وغيرها من المواد العلمية بل محتاج الى ان يكون شخصية مكتملة وعندما يتخرج من الثانوية ويبدى حياته تكون سمات شخصيته وميوله وتوجهاته واضحة لا يبحث منها من خلال انضمامه لجماعات او من خلال هتافات بحيث ان يشعر بقيمته الانسانية.
مشكلة طارئة

 أستاذ الإدارة والمالية في جامعة الكويت الدكتور يوسف المطيري قال:

 ظهور مثل هذه الجرائم يعتبر أمراً طارئاً أو دخيلاً على المجتمع الكويتي، كما ان اسباب ظهور هذه الجرائم يعود بشكل اساسي الى عدة أمور منها الجانب التربوي والتوعوي في المجتمع، وعلى فرض معرفة الشباب بالنظام والاخلاقيات والسلوكيات والتعامل مع الآخرين والبعد عن الحساسية المفرطة، ومنها على سبيل المثال “بان شاب يقول فلان خزني وطالعني” فهذه من الحساسية المفرطة تجاه الاخرين والتعامل بعنف.
 ان ظاهرة العنف هي ظاهرة تحتاج الى دراسة ومعرفة اسباب ظهور العنف بهذه الصورة وكيف تطور هذا العنف من وسيلة دفاع عن الذات الى وسيلة هجومية، واصبح من الاخطر ان تستخدم فيها اسلحة حادة وبالتالي كيف توفرت هذه الاسلحة الحادة والناس كيف تقوم بمثل هذه الاشياء، متسائلا أين دور الوالدين واين دور مؤسسات المجتمع المدني ووزارات الدولة ودور الجانب التربوي الاسري فهذه جميعها تحتاج الى دراسة جادة كاملة لتوزيع الادوار ومعرفة الدور من خلال مؤسسات الدولة التربية والاوقاف والاعلام وغيرها وكذلك دور الاسري والمجتمعي، فهناك عدة ادوار تحتاج الى اعادة تنسيق وترتيب وتنظيم هذه الجهود.

وقال المطيري ان وجود فئات مجتمعية مثل الشباب لا يوجد لديهم اوقات عمل بل يعانون من اوقات الفراغ، فاذا الشباب ليس لديهم العمل المفيد الذي يشغلهم في اوقات الفراغ قد يشغلونك في شيء غير مفيد وبالتالي اصبح هناك وزارة للشباب تهتم بشؤون الشباب وهذه بادرة طيبة، وهذه تعمل على صقل مهاراتهم وتدريبهم على أشياء ذات قيمة في المشروعات الصغيرة وفي الجانب الاقتصادي.

وأضاف ان الشباب طاقة وحماس ولديهم امكانيات وقدرات وان لم تشغل في الجانب المفيد وتوفر لهم الامكانيات لاستغلال طاقتهم ومواهبهم وينظمون قدراتهم فيها قد يشغلون في جانب آخر سيء في التسكع والتمشي وغيرها من الاشياء، وبالتالي هذه تخوض مدعاة للوقوع في مثل هذه الجرائم.

وأكد المطيري ان الجانب الآخر هو مهم ومتعلق بالجانب الأمني، فالضبط الأمني مهم جدا، للاسف اننا لا نرى الانتشار الكبير الامني في الاماكن العامة وبحد ذاته هذا يعتبر خلل، ولابد ان يكون انتشار وتواجد امني في المنتزهات والاماكن العامة لضبط الامن، وقد يكون ذلك رادع لهذه الجرائم، مشددا على وزارة الداخلية بضبط الجانب الامني وضبط القانون وتفعيل هذه القوانين وايجاد الجزاءات الرادعة لهذه السلوكيات.

عوامل السلوك

 المحامي عبدالله الأحمد فقال ان ظاهرة الجرائم مرتبطة بعدة عوامل منها العوامل السلوكية والعوامل الاجتماعية المتعلقة بالتربية وبالبيئة المحيطة من مدرسة وغيرها من الامور.

ويضيف قائلا: ان من المهم عندنا بان نكون متحصنين في بتطبيق العقوبة الرادعة ضد من تسول نفسه بان يخرق عادات المجتمع في جرائم تهز كيانه، وتكون مسؤولية النص التشريعي وتطبيقه من قبل الجهاز النيابي والجهاز القضائي، وطبعا ذلك يأتي بعد تحريات وزارة الداخلية فهؤلاء عليهم مسؤولية كبرى في عاتق تطبيق الرادع التي تنص عليهم القوانين.

واوضح ان دور الاسرة دور مهم والبيئة المحيطة بالشخص نفسه هو الذي يدفعه الى الدافع الاجرامي او السلوك الانسان العادي، طالما لم تكن تربية ورقابة من الاسرة قد يكون الشخص يجتمع مع “شلة” عندها بعض السلوكيات الاجرامية التي تدفعه بالقيام بتصرفات غير مسؤولة، مشيرا الى ان الجانب الامني دوره مهم من الناحية التوعوية وكذلك تواجده في اماكن الساحات العامة.