كتاب سبر

عن أيّ مبدأ تتحدّثون ؟!

عن أيّ مبدأ تتحدّثون ؟!
منصور الغايب
على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وعلى قدر أهل الكرم تأتي المكارم، وعلى قدر الأمنيات تأتي الإحباطات، وعلى قدر توقع ردّ الجميل يأتي ألم النكران، وعلى قدر “الهقوات” تأتي الصدمات، وعلى قدر خذلان “الرّفيق الموالي” تأتي “غسلة” اليد من “نايد” النّاس.
ليست المشكلة قطعاً في أن يظلمك الظالم المستبدّ الذي لا يرقب فيك إلاًّ ولا ذمّة، لكن المشكلة تكمن في أن يظلمك من توقّعت منه الإنصاف والعدل والوقوف معك والحيلولة دون ظلمك من قبل الآخرين، وحينها يكون ذاك الظّلم أشدّ وقعاً على النّفس من ضرب الحسام المهنّدِ.
ورقة توت تسقط، تتبعها ورقة توت، تتبعها ورقة توت، حتى أصبح لزاماً علينا مشاهدة عورات مبادئكم التي أصبحت عاريةً إلا من مزيد تكسّب على جراحات الآخرين، لنتأكّد مع كل ورقة توت تسقط بأنه “ما يستر الرّجّال ملبوس ثوبه” وأنكم تتسترون بمبادئ كاذبة لا تقيكم الحرّ ولا تقيكم بأس النقد الصادق.
تزدحم قاعة “راشد” الباحث عن وطن لا يحوي فساداً، وتبدو قاعة “حكيم” الباحث عن “قشّة” وطن في كومة “حرمان”، خاويةً إلا من جدران صمت ستظلّ شاهدة على ازدواجية المبادئ لديكم، وأنّ الكرامة التي تبحثون عنها هي كرامة قد فصّلت على قدر أجسادكم أنتم فقط، وأنّ العدالة التي تنشدون موصدة الأبواب في وجه من لا تريدون، وأنّ سيارة مطالبكم لا تحتمل “اثنين راكب”!
تقضّ مضجعكم صورة لطفلين مكبّلين من أرجلهما ؛ لأنّكم أردتم للمشهد مزيد إثارة، بينما تنام أعينكم ملء جفونها عن صور أطفال قد كُبّلت أرجل أحلامهم منذ عقود فباتت لا تقوى على السير خطوة نحو الأمام، وقيّدت أيدي أمنياتهم فباتت لا تقوى على التلويح للمستقبل القادم، حتى أصبحوا يعشقون أرصفة الدوارات والمستشفيات ليبيعوا للمارّة قليلاً من أحلامهم، وكثيراً من نظرات حرمانهم، فعن أيّ مبدأ تتحدثون ؟!
تتفاخرون بصور “خوات الرجال” على حدّ تعبيركم، و “حرائر الكويت” على حدّ وصفكم، وأنّهن يعدلن “شوارب” فقط لأنّهن حضرن مسيرة أو اعتصام، بينما تعجز عدسات كاميراتكم عن التقاط صور لنساء اتّشحن بالسّواد الذي يعكس لون واقعهنّ المؤلم، وافترشن رصيف سوق تيماء المركزي، يعرضن بضاعتهن للمارّة، ليعطين درساً لأصحاب الملايين مفاده كيف يكون الكسب الحلال، ويعطين درساً لمن باع ضميره بحفنة دنانير أنّ العمل الشريف رفعةٌ لا سُبّة، ويعطين درساً لهواة توزيع الألقاب مفاده من هنّ “خوات الرجال” حقّاً، فعن أيّ مبدأ تتحدثون ؟!
لا أشكّ لحظة في أن تناقض المرء دليل على خصلة سوء فيه حاول إخفاءها عن النّاس ولكنّه نسي أنّه “وإن خالها تخفى على النّاس تعلمِ”، وأنّ التناقض وحده كافٍ لتعرية المبادئ الهشّة، وأنّ المرء مالم تدنس من التناقض مبادئه فكلّ رداء رأي يرتديه سيكون جميلاً، وأنّه لا شيء أقسى من حكومة ظالمة إلا تناقض من يدّعي العدل.