كتاب سبر

السياسة الأمريكية وسقوط الأنظمة الخليجية

  المنطقة العربية تغلي من المحيط الى الخليج ,وهناك انظمة تم اقتلاعها من قبل شعوبها بتخاذل حلفائها رغم ان جذورها كانت راسخة نتيجة القبضة الامنية الحديدية.. والاقتصاد العالمي في ازمة..ومنابع النفط بدأت تتنوع. والقوى العظمى بدأت تتكالب على المنطقة لتستغل هذه الظروف لبسط نفوذها ولخلق توازن قوى جديد في العالم.
ومن المعروف في العلاقات الدولية ان كل دولة تسعى الى استغلال ظروف الاطراف الاقليمية والدولية التي تكون بها خلافات وارضية خصبة تسمح لها بخلق جيوسياسة تستفيد منها لتحصين نظامها محليا ولدعم سياستها دوليا..ولو نظرنا الى خطورة الوضع على منطقة الخليج لوجدنا انه سبق الثورات العربية,وهذا ماسنوضحه لاحقا في هذه المقالة.
 فالقوى الاقليمية التي كان لها تأثير في صياغة أمن المنطقة هي العراق ومصر وسوريا وايران وتركيا واسرائيل.سقطت العراق وضعفت مصر وسوريا التي لم تسقط الا انها تعتبر في تعداد الدول المنهكة عسكريا وان كانت منهكة بالاصل اقتصاديا. وبالتالي لم يتبق الا ايران وتركيا واسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي التي تملك قدرة مالية ولكنها ليست قوة اقتصادية او عسكرية.
     
ولاشك ان امن اسرائيل يعد الركيزة الاولى والاساسية التي ترسم واشنطن استراتيجياتها عليها في الشرق الاوسط.ومن خلال ما سبق يتضح سقوط القوى العسكرية العربية المأثرة فلم يتبقى الا ايران وتركيا اللتان قد تهددان امن اسرائيل.فبالنسبة لايران فسقوطها عملية سهلة هذا ان لم تكن شرطي امريكا القادم في المنطقة كما كانت سابقا.
 
المعضلة التي ربما تواجه الولايات المتحدة في المنطقة هي تركيا القوية عسكريا والمتنامية سياسيا واقتصاديا والتي ستدعم من قبل منطقة الخليج بشتى السبل لتحافظ على دورها السياسي والامني في التحكم المنطقة حتى لا تنفرد ايران او اسرائيل في شؤونها.
 ورغم مقومات الدولة التركية السياسية والاقتصادية والامنية المتطورة الا ان عملية زعزعة استقرارها والضغط عليها قد تكون سهلة من قبل القوى العظمى وخاصة روسيا والولايات المتحدة فهما تمتلكان اوراق كثيرة ممكن اثارتها سواء بالترهيب او الترغيب للضغط على تركيا. فاوراق الترهيب التي من الممكن استخدامها ضد تركيا هي الاكراد ومذبحة الارمن واثارة الخلافات مع العراق وايران واليونان وقطع الدعم الخليجي من خلال التهديد والمساومات.أما اوراق الترغيب التي من الممكن ان تستمال بها تركيا وتحيد عن شؤون المنطقة هو وعدها بتحقيق حلمها بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي.ولو تحقق ذلك الافتراض فان واشنطن قد جعلت اسرائيل تنفرد بالمنطقة سياسيا وأمنيا.
    ومع بروز قوى صاعدة كالصين واليابان والاتحاد الاوروبي ومحاولة روسيا استعادة امجادها السوفييتية لا يخفى على أحد ان ذلك يؤرق الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة الى ان تبقي العالم احادي القطبية.ولكي تحافظ على انفرادها بقيادة العالم لا بد وان تتحكم بالاقتصاد الذي أضحى يقود السياسة في عصرنا الحالي وبالتالي فان تصريح الرئيس الامريكي باراك اوباما بان بلاده ستحقق اكتفاء ذاتيا من النفط خلال سنوات لا يتجاوز عددها اصابع كف اليد الواحدة قد ازعج الدول المستهلكة والمستوردة للنفط قبل الدول المصدرة له.فهذا التصريح رغم تشكيك الكثير من الخبراء بجديته وتطبيقه على ارض الواقع  لقرب موعده ولارتفاع تكلفة الانتاج الا انه عندما صدر لم يصدر من شخص عادي وربما هذه اشارة ان بلاده قد تستغني عن نفط الخليخ.وهذا يدفعنا الى ان واشنطن لا يستبعد ان تثير القلاقل بهذه المنطقة لخلق فوضى تؤدي الى ارتفاع النفط مما يثقل كاهل الدول المصنعة والصاعدة ويجعلها تحت رحمة وسيطرة الولايات المتحدة اقتصاديا لتحافظ على سيادة العالم.
 وهناك سوابق سياسية أمريكية كثيرة في زرع بؤر توتر في أنحاء متفرقة من العالم تستغلها متى ما شاءت ولعل اخرها اعلانها انها ستنسحب من افغانستان كما فعلت في العراق رغم سوء الاوضاع السياسية والامنية في البلدين.كما انها تخلت عن حلفائها المطيعين وتركتهم يواجهون مصيرهم امام شعوبهم كالنظام الملكي في ايران سابقا والرئيس حسني مبارك والرئيس علي عبدالله صالح حديثا.
   ومع هذا التحول في السياسة الاقليمية والدولية والتصريحات المتكررة لاكثر من وزير خارجية لامريكا بان بلادهم في صدد تغيير خارطة المنطقة بما فيها حلفاؤهم ,نلاحظ ان المنطقة الخليجية بطيئة الاستيعاب لما يدور من حولها بل انها للاسف اتجهت في بعض الاحيان الى بعض الافعال التي ربما تعزز افكارا بدأ يطرحها كتاب ومفكرون قريبون من متخذي القرار في الدوائر الغربية كالمقالة التي  نشرتها “الإندبندنت” البريطانية  في اوائل يناير الماضي للصحفي روبرت فيسك، مراسل الصحيفة الخاص لمنطقة الشرق الأوسط حيث قال فيسك عن الدول الخليجية، إن”هنالك من يقول إن الملوك والأمراء والمشايخ سيبقون في مأمن لسنوات مقبلة. لكن لا تعتمدوا على ذلك. راقبوا ما سيحدث في السعودية“.
 وفي نفس السياق اعتبرت مقالة في صحيفة “الغارديان” البريطانية أن دول الخليج العربي الست تحكمها أنظمة استبدادية للغاية على حسب وصف كاتبها، أصبحت حالياً خارج الزمان والمكان، مشيرة إلى تنبؤ بحدوث تغيير كبير يؤدي إلى سقوط الأنظمة الحاكمة فيها في فترة زمنية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات.
وفي مقالته، سلط محرر شؤون الشرق الأوسط إيان بلاك الضوء على كتاب أثار ضجة مؤخراً للكاتب البريطاني كريستوفر ديفيدسون وجاء تحت عنوان “بعد الشيوخ: الانهيار القادم لملوك الخليج“.
وقامت تنبؤات ديفيدسون على عدة عناصر، أهمها العنصران الاقتصادي والاجتماعي، حيث يرى أنه رغم كون أنظمة دول الخليج صامدة ومستقرة ولم تتأثر أمام موجة «الربيع العربي»، فإن مسألة سقوطها باتت مجرد عامل وقت، بمعنى أن السؤال هو «متى ستسقط؟» وليس «هل ستسقط؟» بحسب وصف المؤلف.
وذهب ديفيدسون إلى أن معطيات الثورات في الدول العربية التي سقطت أنظمتها بدأت تتوافر في دول الخليج، وأن المسألة قادمة لا محالة.وتنبأ ديفيدسون في كتابه بحدوث تغيير كبير يؤدي إلى سقوط هذه الأنظمة في فترة زمنية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات.
وتعتبر تحليلات ديفيدسون حسب رؤية الكثير من المحللن والنقاد دقيقة وقريبة من الواقع كونه من تنبأ بالأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم وأصابت دبي في 2009، ويراهنون على أن دقة تنبؤات ديفيدسون قد تتكرر في رؤيته لمستقبل الأنظمة الحاكمة في دول الخليج.
وفي النهاية نتمنى ان تكون رؤيتنا لمستقبل السياسة الامريكية في المنطقة خاطئة وان تخيب تنبؤات روبرت فيسك و إيان بلاك وكريستوفر ديفيدسون كما انه يجب على الانظمة الخليجية ان تتحصن بشعوبها من خلال الاصلاحات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الاستباقية لكل مايشوب او قد يستغل من قبل اطراف خارجية  لتعكير صفو العلاقة بين الانظمة والشعوب.وعليها ان تبتعد عن المعالجات الادارية والاجرائية لبعض اصحاب النفوذ والقرار الذين تحكمهم اهوائهم الشخصية والمصلحة الضيقة ,والبعيدين كل البعد عن الواقع وذلك باتخاذ اجراءات تتجاهل مطالب الشعوب مما يعقد الوضع ويزيده تأزيما وبالتالي تصعب عودته الى ماكان عليه في حال الرغبة بذلك.
د.عبدالعزيز محمد العجمي
abdulaziz71@yahoo.comEmail:  
Twitter: @Dr_Abdulaziz71