آراؤهم

دساتير وبرلمانات
تحديد الحد الأعلى لسن الملك

تذهب العديد من الدساتير إلى اشتراط  سن محددة يجب أن يبلغها المرشح لرئاسة الدولة أو للحكم، فعلى سبيل المثال، تشترط دساتير كل من النمسا والبرازيل والهند وأمريكا ألا تقل سن المرشح عن 35 سنة،ويشترط دستور ألمانيا وتركيا ومصر بعد الثورة ألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية.
إلا أننا لا نكاد نجد مثالاً على دستور يشترط الحد الأعلى لسن المرشح بحيث يستبعد من تجاوزه عن دائرة المنافسة أو الترشيح لمنصب الرئاسة. ويعود سبب ذلك وفقاً لوجهة نظري إلى أمرين، أولهما أن هذه الدول إما أن تكون ذات أنظمة جمهورية حقيقية، أو ذات أنظمة ملكية دستورية. ففي الدول الجمهورية الحقيقية يعود عدم اشترط الحد الأعلى لسن الحاكم إلى تقيد فترة الرئاسة، فهي إما أن تكون لفترة واحدة فقط كتركيا على سبيل المثال إذ ينتخب الرئيس لمدة سبع سنوات، أو تكون لفترة محددة يمكن أن يعاد انتخاب الرئيس فيها لمدة أخرى واحدة كحد أقصى كالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا يمكن للشخص في هذه الجمهوريات أن يحكم مدى الحياة. وهنا يجب أن نأخذ يعين الاعتبار كذلك أن عملية الترشيح للرئاسة يسبقها التوافق أو التنافس مبدئياً في دائرة الحزب قبل أن يتقدم أي منهم بمرشحه للرئاسة مما يجعل الرهان يقتصر على الجياد القوية والتي يتوقع فوزها، لذا نادراً ما يتقدم للمنافسة شخصاً يتجاوز السبعين من عمره. ففي أمريكا على سبيل المثال ومنذ نشأتها عام 1789 أي على مدار أكثر من مائتي وعشرين سنة وضمن قائمة بلغت 44 رئيساً لا نجد ألا رونالد ريجان من كان عمره يقترب من السبعين، وأغلب الرؤساء كانوا في الخمسينيات من أعمارهم عند ترشحهم للرئاسة، وتركوا البيت الأبيض قبل أن يصلوا الخامسة والستين. 
أما في الدول الملكية الدستورية فالملك لا يتولى سلطات حقيقية وجوهرية تؤثر في شؤون الدولة والحكم، فهو مجرد رمز يسود ولا يحكم ويتولى في الغالب وظائف شرفية واحتفالية. لذا فموضوع تحديد حد أعلى لسن الملك في الأنظمة الملكية الدستورية ليس ذا أهمية كبيرة، فلا نستغرب إذن أن تستمر إليزابيث الثانية ملكة على بريطانيا بالرغم من بلوغها السابعة والثامنين من العمر.
 لكن لا شك أن الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي مختلف تماماً عن الملكيات الدستورية، فالملك أو السلطان أو الأمير يتولى سلطات حقيقية ويمارس صلاحيات جوهرية وينفرد في اتخاذ قرارات دستورية مهمة وذات تأثير كبير في شؤون البلاد والعباد، لذا لا بد من أعادة النظر في ترك فضاء السن مفتوحاً. ولا نتحدث هنا عن توقيت فترة حكم الملك بمدد قصيرة كأربع أو خمس أو سبع سنوات كالأنظمة الجمهورية، إنما المقصد ينصرف إلى وضع حد أعلى لسن المرشح لولاية العهد وحد أعلى لسن الحاكم.  
إن استعراضاً سريعاً للوضع في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال يكشف لنا سلسلة من أولياء العهود الذين تجاوزا السبعين من العمر عند تعينهم، فالأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله عين ولياً للعهد وكان له من العمر 74 سنة فتوفي قبل أن يؤول إليه الحكم، وعين على أثره الأمير نايف ولياً للعهد في عام 2011 وكان له من العمر 77 سنة، فتوفي بعد عام من تعينه، وأخيراً عين الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد وله ممن العمر 77 سنة. بل أن الملك عبدالله ذاته نصب ملكاً وله من العمر 81 سنة. والأمر لا يختلف كثيراً في دولة الكويت إذ نودي بالشيخ صباح الأحمد أميراً للبلاد وله من العمر 77 عاماً وهو اليوم في الثالثة والثمانين من العمر، وسبقه الشيخ سعد العبدالله رحمه الله الذي بقى ولياً للعهد حتى عام 2006 وكان له من العمر ست وسبعين سنة، وبعد أن نودي به أميراً نقلت سلطاته بسبب أحواله الصحية. كما أن ولي العهد الحالي الشيخ نواف الأحمد تجاوز الخمسة والسبعين من عمره.
إن الدراسات العلمية تثبت أن الشخص كلما تقدم في السن قل نشاطه وضعفت مناعته وكان عرضة لأمراض القلب وللجلطات وللنزلات الشعبية وانخفاض نسبة الأوكسجين في الدم، وربما أصيب بالاكتئاب والزهايمر ومرض باركنسون وغيرها. كما أن الشخص في مرحلة الشيخوخة يكثر اعتماده على الآخرين، وكل ذلك بلا شك يؤثر تأثيراً بليغاً على ممارسة اختصاصاته والتي كما أسلفنا بشأن الحاكم في دول مجلس التعاون هي سلطات حقيقية وجوهرية وليست شرفية. وهذا ما لاحظناه في تاريخ المنطقة من غياب الكثير من الحكام عن البلاد في رحلات علاجية استغرقت فترات طويلة. 
لذا نقترح أن يدرج في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي نصاً يحدد الحد الأعلى لسن ولي العهد وحد أعلى لمباشرة الحاكم لاختصاصاته كأن يكون هذا النص على سبيل المثال كما يلي: 
“لا يتجاوز سن ولي العهد عند تعيينه ستين عاماً ميلادية، وإذا بلغ ولي العهد سن الخامسة والسبعين دون أن يؤول الحكم إليه يفقد منصبه وتبدأ مباشرة إجراءات تعيين ولي عهد جديد للبلاد وفقاً لأحكام هذا الدستور. 
يعلن خلو منصب الملك عند وفاته أو اصابته بعجز كلي يمنعه من ممارسة مهامه أو عند بلوغه سن الخامسة والسبعين من عمره، وينادى بولي العهد ملكاً للبلاد وفقاً للإحكام والاجراءات الواردة في هذا الدستور”. 
د. حسن السيد – كاتب قطري
استاذ القانون الدستوري بجامعة قطر
halsayed@qu.edu.qa