كتاب سبر

تنظيم أرهب أنظمة

“وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل (ترهبون) به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم”
وعندما أتحدث عن (رهبة) الأنظمه وخشيتها من الدخول في مواجهات مع جماعة الإخوان المسلمين .. فأنا لا أعني أنظمة سايس بيكو الصوريه، والقائمة بفضل ومِنّة الأنظمة الفعليه الكبرى في العالم، فبقاء الأولى كما هو ثابتٌ ومعلوم، مرهونٌ بمدى طاعتها للثانية وإستمرارها بانتهاج المسار الذي يرسمه ويحدده صاحب الفضل والمنّ في بقاءها وإن كان صورياً .. لذا سيكون حديثي عن الأنظمه التي تحكم وتتحكم بصورة فعلية في السياسة العامة لكوكب الأرض ! 
دق ناقوس الخطر وأعلنت أجهزت مخابرات الأنظمه الغربية استنفارها مع بداية الشراره الأولى لأنفلونزا الربيع العربي .. ولكنه ما إن وصل هذا الربيع إلى مصر (معقل جماعة الإخوان المسلمين) حتى أخذت المجتمعات الغربية ككل تنظر ملياً في تداعيات الحاضر والماضي، وأصبح انشغال الرأي العام هناك مترقباً لنتائج الثورة التي أصبح الإخوان جزءاً لا يتجزأ منها، أو المحرك الرئيس لها إن صح التعبير، وذلك بداعي الخوف من وصولها إلا سدة الحكم، بحكم التاريخ الجهادي لهذه الحركة التي كانت ولا تزال حتى لحظة كتابة هذا المقال الرمق الأخير للتمسك بمبدأ الجهاد والجهر به في منطقه الشرق الأوسط، وكدلاله على ذلك ..  فقد عنونت مجلة التايمز الأمريكية إفتتاحيتها بعد يومين من اندلاع الثورة المصرية بالمانشيت الآتي : (هذا الخوف له مبرراته)  وقد حمل ذلك العدد تقريراً مفصلاً لآراء المحللين والمراقبيين الأمريكيين جاء به : 
“إن الولايات المتحدة في موقف صعب حالياً، بسبب الأوضاع الموجودة في مصر، فواشنطن تجد نفسها محرجة أمام دعم مطالب فرض الديمقراطية في بلد حليف لها قد تنقلب الأوضاع فيه إذا وصل التيار الإسلامي إلى السلطة، وقد فاقم هذا التخبط إعلان تنظيم الإخوان المسلمين عزمه النزول إلى الشوارع لمواجهة النظام المصري”.
كما جاء بالتقرير ذاته ما نصه : “إن الدوامة التي دخلها البيت الأبيض في الموقف الذي يجب أن يعتمده حيال الوضع في مصر ازدادت حدته بعد دعوة تنظيم (الإخوان المسلمين) لأنصاره إلى الانضمام للمظاهرات، فالولايات المتحدة معروفة تاريخيا بمدى حساسيتها تجاه التعامل مع الفصائل الإسلامية الطابع، وخاصة تلك التي دخلت أكثر من مرة في مواجهات مع القوى المتحالفة معها في المنطقة”.
وكما هو معلومٌ لدى الجميع فإن القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة كثيرة، ولكن المقصود في ذلك التقرير هي وبكل تأكيد (إسرائيل) وما سواها من أنظمة حليفه، ليست إلا أنظمه صوريه كما أسلفنا أعلاه .. وأما المواجهات التي تحدث عنها التقرير ما بين جماعة الإخوان المسلمين والحليف الصهيوني لواشنطن، كانت بدايتها عام 1948 خلال معركة (كفار ديروم) إبان محاصرة الجيش المصري في الفالوجا أي بعد قرار تقسيم فلسطين بعدة شهور، والتي جعلت موشي ديان القائد العسكري الصهيوني البارز حينها يقول : “إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا.. إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة، ولذا فنحن نحاول أن نتجنبهم”.
وتحدث التقرير عن استمرار متطوعي الإخوان في معارك فلسطين فيما كانت الجيوش العربية تقفل راجعة تاركةً الميدان للصهاينة، حينها قبلت حكومات الجيوش بالهدنة، بينما رفضها الإخوان، وقال مرشدهم العام  الشهيد حسن البنا : “لا قبول للهدنة إلا بعد أن تدخل الجيوش العربية تل أبيب، وتطرد العصابات الآثمة من حيفا ومن يافا ومن عكا ومن طبرية، وترد المهاجرين من عرب فلسطين إلى ديارهم، ثم إذا قيل بعد ذلك هدنة فبها، وإلا فالقتال حتى نقذف بآخر جندي صهيوني إلى البحر، وتطهر فلسطين المباركة من هذا الرجس”.
إذن فالتقرير هنا يتحدث عن نضال وجهاد الإخوان المسلمين، والذي لم ولن ينساه الصهاينة وحلفائهم أبداً للشهيد البنا وجماعته .. لكننا نسيناه في زحمة الاستغفال والتغييب .. والتقرير ايضاً تضمن حقائق قلق ومخاوف (تل أبيب) حين أبرقت إلى الولايات المتحدة طلباً للنجدة العاجله، والتي جاءت بعد اجتماع سفراء (إنجلترا وأمريكا وفرنسا) في مدينة فايد بتاريخ 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، وفعلاً صدر الأمر العسكري رقم 61 في يوم 8 ديسمبر سنة 1948م، وبموجبه تم حل (جماعة الإخوان المسلمين) .
التقرير أيضاً، تضمن الحديث حول فرع جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين، والذي كان امتداداً لجماعة الإخوان المصرية التي امتدت لغزة طبيعياً بحكم إشراف الدولة المصرية على قطاع غزة قبل (نكسة عبدالناصر) .. الفرع الذي كان يقوده الشيخ الشهيد المقعد أحمد ياسين والذي تمكن في الأخير من تحرير القطاع، وهزيمة الكيان الصهيوني أكثر من مرة به..
التقرير يتحدث عن مخاوف ورهبة الغرب من هذه الجماعة التي يظل وجودها خطراً على أمن “إسرائيل” مهما أبدت من (مرونة) ظرفية، ولذا كان أمن “إسرائيل” حاضراً دوماً في سياسة مصر، وقد غفرت واشنطن كثيراً للمخلوع مبارك كل خطاياه الداخلية لأنه جسّد “الأمان الاستراتيجي لإسرائيل”، مثلما وُصف في تل أبيب بعد خلعه، ولم يكن آماناً إلا لأنه كان يحد كثيراً من تحركات جماعة الإخوان المسلمين، فلما انفلتت من قيدها، ونجحت في الإفلات من محاولات إسقاطها المتكررة، عمدت قوى “إسرائيل” وحلفائها الكُثر في المنطقة الشرق أوسطيه إلى إسقاط تجربة الإخوان في الحكم منذ اليوم الأول لها، فانطلقت 4 مسيرات في اليوم الأول لافتتاح البرلمان وحاول بلطجية “ثوريون” اقتحام البرلمان والاعتداء على النواب حتى قبل أن يؤدوا القسم في مجلس الشعب، ثم لما فاز الرئيس، بدأت المطالبات منذ اليوم الأول، لسلطته وحوصر القصر مثلما حوصر البرلمان، ثم استهدف الشورى لما حوى نواب يحق لهم سن قوانين.. الخ.. فدارت المظاهرات ولم تزل حتى كتابة هذه السطور حيث دار الإخوان لا غيرهم في أي موضع كانوا !!
نعم، إن قطع الطرق في مصر يفرح “إسرائيل” وكافة الأنظمه المتلهفه والمستميته على إفشال الربيع العربي .. إن تجويع المصريين وتبغيضهم في الإخوان هي أداتهم لإسقاط تجربتهم التي في إسقاطها “أسمى أمانيهم”.. نعم إن تركيع مصر ووضع الرئيس وإدارته وحكومته تحت المقصلة هي الضمانة الوحيدة لبقاء إسرائيل والأنظمه المتحالفه معها في السر والعلن بمنطقتنا ككل !
لقد ارتقت الأنظمة الحليفه لإسرائيل سراً وعلانية مرتقاً صعباً لا يمكن النزول عنه، إذ أقدمت على مهاجمة الأسود في عرينها، فإما أن تتمكن من قتل الأسد وردم عرينه فوق رأس من فيه، أو أن تستعد لتكون فريسه دسمه لقطيع السباع الذي لا يقبل بأنصاف الحلول.
فيصل عمر الهاجري