كتاب سبر

“أوجلان”.. من السلاح إلى السلام

“أوجلان”.. من السلاح إلى السلام 
بقلم.. د.عبدالعزيز محمد العجمي 
بعد ما يقارب ثلاثة عقود من المواجهات وسقوط حوالي خمسة واربعين الف قتيلا من القوات التركية وأعضاء حزب العمال الكردستاني يبدو انهما سئما الاقتتال ورضخا لحل صراعهما سلميا واتجها الى ترك لغة العنف والسلاح التي انهكت الطرفين دون بلوغ الاكراد لمقاصدهم وعدم سيطرة الحكومات التركية المتعاقبة عليهم واستيعابهم.
ونعتقد ان الانتخابات الرئاسية القادمة وكذلك التغير الذي تشهده المنطقة على مستوى الانظمة والتركيبة الامنية ربما تكون من الاسباب التي دفعت الحكومة التركية الى الاتجاه لتصفير مشاكلها المحلية كما هو الحال مع الاكراد بالاضافة الى خلافاتها الاقليمية والدولية ولعل أحدها قبول اعتذار اسرائيل بشأن حادثة باخرة حصار غزة فهي تسعى الى رسم دور جديد لها في ظل تدهور الاوضاع في المنطقة.
وتعد القضية الكردية من أكثر الاوراق المحلية التي احتارت الحكومات التركية المتعاقبة في كيفية التعامل معها فاختلفت سياساتها مابين القمع والدمج الى ان جاء حزب العدالة والتنمية للحكم الذى أبدى ليونة في التعاطي معها بمنح الاكراد لبعض المطالب والحقوق.ولكن في هذه الفترة وبعد ثورة سوريا رمت حكومة رجب طيب اردوغان بكل ثقلها وبمساعدة أكراد العراق للتفاوض مع رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان المعتقل بجزيرة ايمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999,مما أسفر عن ميلاد اتفاق ومرحلة اعتبرت جديدة عنوانها “السياسة الديمقراطية” ,حيث أعلن الحزب تفاصيل وقف اطلاق النار نيابة عن اوجلان في عيد النيروز أمام العديد من مناصريه بديار بكر.
هذه المصالحة قد تكون مرحلية من قبل الحكومة التركية لكسب ود الاكراد قبل الانتخابات الرئاسية كما انها ربما تكون خطوة استباقية لاستمالتهم تفاديا لما سيتحقق لاكراد سوريا بعد رحيل الاسد فسيناريو اكراد العراق قد يتحقق هناك وبالتالي تخشى ان تنتقل العدوى اليها كما حصل في ثورات الربيع العربي .
ونرى أن الإتفاق الذي نتج عن المفاوضات مع الحكومة التركية والتي سبقت إعلان اوجلان، قد تضمن اعترافاً بالهوية الكردية، وهو ما يشكل الهدف المركزي لقضية حزب العمال الكردستاني. لكن اعتبار هذا الإعلان، الذي كلف الأكراد التخلي عن ثقافة القتال بانسحاب مقاتليهم إلى جبال قنديل في شمال العراق، بمثابة انتصار يبقى أمراً قيد النقاش والبحث حتى معرفة مصير الإتفاق الذي تمّ التوصل إليه مع حكومة اردوغان، ومدى التزام الأخيرة بخطوات فعلية باتجاه إرساء سلام حقيقي مع الأكراد.
وفي النهاية لعل مايميز هذا الاعلان لوقف اطلاق النار انه جاء بعد مفاوضات اوجلان مع الحكومة التركية وباتفاق بين الطرفين فقد سبق ان اعلن اوجلان عن وقف لإطلاق النارمن جانب واحد في مرات عديدة منذ التسعينيات ومع ذلك فقد تمّ استئناف العمل المسلح للأكراد في وقت لاحق لضغط الحكومات التركية عليهم ولتجاهلها تحقيق مطالبهم.
اذاً فتجربة اكراد تركيا مع حكومتهم مبنية على الشك وقد يعتمد نجاح هذا الاعلان على مدى التزام الطرفين ببنوده فاخلال احدهما بذلك ربما تكون تداعياته وخيمة وتنذر بعودة أكثر شدة للنزاع المسلح بين الأكراد والسلطات التركية .ومما يعزز هذا الامر ان اوجلان لم يدع لإلقاء السلاح بل دعا إلى وقف القتال والعمليات العسكرية وانسحاب المقاتلين، أي أن السلاح لا زال موجوداً ومن الممكن العودة اليه متى ما اقتضت الحاجة لذلك.