الشعوب لا تشترى بالمال
بقلم المحامي.. سعد اللميع
بسم الله الرحمن الرحيم
{فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} النازعات
في الفكر الخليجي تشاهد عوامل مشتركة فيما بين دول التعاون ومؤسساتها، بحيث يصبح المشهد متشابه فيما بين هذه الدول، لدرجة تدفع المتابع إلى التساؤل متعجبًا.. هل بين هذه الدول حدود؟!
الكبر قد يدفع بعض الخليجيين إلى الامتناع عن هذه الإجابة المرة وهي حقيقة وحدة الفكر الخليجي، فهذا الفكر وإن اختلفت قوالبه إلا أنه في حقيقة الأمر فكر واحد تدار به كل هذه الدول مستهدفة تحقيق الغايات الفردية، وهنالك مواقف عديدة ظهرت للعلن مؤخراً في قطر والإمارات وأخيرًا في الكويت، وهذه المواقف تبيّن حقيقة الحرب الفكرية الدائرة فيما بين الطرفيّن، الدولة ومؤسساتها والفرد وحقوقه.
لنبدأ في حادثة سجن الشاعر القطري محمد بن الذيب، كتب قصيدة يتغنى بها في الربيع العربي ويتحسّر على حال حريات وحقوق المواطن في قطر مطالبًا بتحقيق ماتحسّر عليه، فلم يكن من الدولة إلا أن جيّشت ما تحتاج من مؤسساتها ضد هذا الفرد ليختل ميزان القوى مغيباً عنه العدالة لمعاقبة هذا الشاعر لمجرّد أنه فكّر بالواقع الخليجي المر، وأنا هنا أقول خليجي لأنه وإن كان لا يوجد في قطر برلمان إلا ان هذا هو حال باقي الدول الخليجية، وأن وجد بها برلمان فتجده برلمان ذو صلاحيات محدودة ورقبته معلقة بيد السلطة الحاكمة هنالك.
وفي الإمارات قام مواطن بنقل مجريات محاكمة حساسة، بتصرّف طبيعي من شخص يمتلك عقيدة مؤمنة بالحرية والعدالة، وأي دولة في العالم لا تخاف من نشر مجريات أي محاكمة، وإن كانت حساسة وعلّة هذا الأمر بأن المحاكمات شأن قضائي خالص، فالقاضي هو سيد جلساته أن رأى ان هنالك وجه للسرية أمر بمنع النشر وأن رأى غير ذلك فلا سلطان لأي سلطة عليه إلا فيما يتعلّق بالمواطن الإماراتي عبدالله الحديدي أرادت الدولة قمع فكره وإيمانه المترسّخ بالحرية والعدالة، فتوجّهت إلى تجييش ما تحتاج من مؤسساتها لمواجهة هذا الفرد وسجنه لمجرد أنه قام بنقل مجريات المحاكمة بتصرّف لا يمس كيان الدولة بشيء.
وأخيرًا في الكويت، قام ثلاث نواب أعضاء في البرلمان المبطل بجرم كبير يتمثّل بمناهضة الفساد وضرب هياكله إلى درجة دفعتهم لاستجواب وزير خزانة الدولة، وهم لا يعلموا بأن ثمن استجواب هذا المسؤول غالياً جداً لدرجة قد تدفع الدولة إلى تجييش ما تحتاج من مؤسساتها لضرب ووأد هذا الفكر، بحيث ستعمل الدولة على تحريف أعمالهم وتحويل كل حرف ينطقون به إلى تهم معلبة يساقوا من خلالها إلى السجن، بحيث وصل عدد التهم الموجّهة لأحدهم إلى اكثر من 70 تهمة، وهذا الكم من التهم له دلالة واضحة تبين مدى ضعف موقف الدولة صاحبة السلطة والمال ضد مواطن فرد أعزل لايملك إلا فكره، والنتيجة رأيناها بعيّد صدور حكم سجن مسلم البراك بثلاث ساعات حيث تسارعت خطى مسؤول أمني كبير إلى منزل البراك طالباً شرف القبض عليه، متناسياً الحصول على السند الرسمي الذي يخوله القيام باتخاذ مثل هذا الإجراء.
في الجهة المقابلة.. لم نسمع من حكومات هذه الدول إلا رد واحد وأعوج، يتمثّل بادعائهم حول المواطن الخليجي المترف الذي لا ينقصه أي شيء، فهو يعيش حياة مترفة عنوانها المال، وهذا الرد إنما ينم عما هو راسخ في عقيدتهم بأن المال هو كل شيء ودلالة ذلك اتجاههم نحو التركيز على المقترحات المالية بهدف وأد مثل هذه الطفرات الفكرية التي حلّت بالمواطن الخليجي، وكأنهم وجهوا الدعوة إلى استبدال الكرامة بالمال، وهذا ما لا يصح فالشعوب لا تشترى بالمال.
بأمثال الحديدي والبراك وابن الذيب.. يصنع التاريخ.
أضف تعليق