كتاب سبر

همس عن (هيبة الشعب)

همس عن (هيبة الشعب)
بقلم.. ناصر المروت الخالدي
لكبار السن (هيبة) في عيون الأبناء، وللعلماء (هيبة) في عيون الطلبة، كذلك للقادة التاريخيين هيبة ونحن نقرأ عنهم ولا نشاهدهم، من ناحية أخرى.. يكثر هنا الحديث عن (هيبة الحكم) والمطالبة بفرضها، والهيبة ليست سيئة أو مرفوضة بل على العكس، فكل الدول الناجحة يشعر المواطن بهيبتها وتقديرها في نفسه، لكن أن ترتبط (الهيبة) عند المطالبين بها بهراوات عناصر الأمن وسجونهم فهنا تقع المشكلة، وأن يُضرب المثل في الهيبة بدول (محد فيها يبطل حلجه عن الحكم) كما يحلو لهم وصف حالها فهذه مشكلة أيضًا، ولا أرى في هذا شيئًا جميلًا أو مصدرًا للفخر، فهذه الدول (ذات الهيبة المزعومة) ليست من الدول العظمى التي تقتدي باقي الدول بنجاحها وتجاربها.
واضح أن ما يطالب به هؤلاء هو (هيبة الخوف) من الدولة، ولو قرأ هؤلاء التاريخ أو حتى التفتوا إلى بلاد ليست ببعيدة عنّا وفي السنوات الثلاث الأخيرة تحديدًا، لعلموا أن جدران الخوف تتساقط على رؤوس من بناها ورممها وحماها لعقود، فهيبة الخوف مؤقّتة وإن طالت، ومستفزة للنفس السوية ولا يمكن أن تستمر أو تصمد مع عوامل التغيير المختلفة وفي التاريخ عبر لا مجال هنا للحديث عنها.
إذًا.. أي هيبة تحتاجها الأنظمة والدول في عالمنا المعاصر؟ جيوش العسكر والمواكب والإعلام .. كل هذا لا يصنع الهيبة.. بل لا يصنع دولة حتى، ما يصنع هيبة الحكم الحقيقية في نفوس الشعوب شيئان لا ثالث لهما: إمّا إنجاز استثنائي يخلق لها هيبة النجاح، ويجعلها تحرص على استمراره بما يحقق مصلحتها وهذا نادر ومؤقّت ومعرّض للانقطاع، أو خلق إحساس يستقر في وجدان الشعب ويشعره بأنه جزء من النظام والدولة، وأن هذا النظام وجد لمصلحته ومن أجله لا من أجل طبقة أو فئة، وبالتالي يتسامح مع أخطائه لأنه يشعر بالمشاركة في حال الفشل، كما يشعر به في حال النجاح، وهذا لا يكون بتحصين المسؤولين وحمايتهم من النقد، بل يكون بمشاركة وتمثيل شعبي حقيقي يشعر به الأفراد ويتفاعلون معه فتكون (هيبة الحكم) هنا انعكاسًا لـ(هيبة الشعب) لا تحديًا لها، وكل حديث عن الهيبة.. يذكرنا بقول الشافعي -رحمه الله – :-
ومن هاب الرجالَ تَهَيَّبوه
ومَن حَقَر الرجالَ فلن يُهَابا
ومَن قَضَت الرجالُ له حُقوقاً
ولم يَقْض الحقوق فما أصابَا
@nasseralkhaldi