كتاب سبر

أعلنوا مولده فوق الجبل

أعلنوا مولده فوق الجبل
بقلم.. سحر محمد 
في رواية ” أعلنوا مولده فوق الجبل” لجيمس بولدوين كشف عن العنصرية التي يعيشها الإنسان تحت قهر الفقر واللون والجنس أيضًا، وكيف تنتقل هذه العنصرية لتشمل المكان حين يكون هوية عنصرية يُحدّد صاحبها بسياج لعنة العنصرية كلما حاول  الفرار من حدوده. 
ففي حي هارلم بمدينة نيويورك، حدد الرجل الأبيض هذا المكان للأفارقة السود من الأمريكيين حتى أصبح يطلق عليه “عاصمة أمريكا السوداء”، وفي هذا المجتمع الأسود كان يعيش بولدوين تحت مظلة الفقر حياة تنتشر فيها الجريمة والأمراض والإهمال اضافة إلى العنصرية التي يعامل بها المجتمع الأبيض أبناء الأفارقة الأمريكيين.
وبالرغم من أن الرواية تكشف جوانب عديدة لمعاناة الكاتب من نواح الدين وقسوة الأب وعنصرية اللون والجنس وغير ذلك إلا أنه مالفت انتباهي بها كيف يمكن تحويل المكان إلى بقعة عنصرية تمتد عبر الزمان والأجيال دون أن تذوب وسط المكان الوطن، دون أن تتفاعل بصورة ايجابية وتنمو مع الأمكنة الأخرى ؟! كيف تُسيّج حياة وسط حياة أشمل وأوسع؟! 
هارلم هذا الحي الأسود – الملاذ لكل أسود – الذي يعيش وسط مدينة أشمل وأوسع ومختلفة عنه كليًا في اللون والحضارة سيظل عمره كله في مشهد الجنين في جسد الأم ولكنه خارج رحمها يتكوّن. 
هارلم هذا الحي الأسود جعله الرجل الأبيض عاصمة وملاذا لكل أسود وهو بذلك صنع منه وطنا آخر وسط وطن يتسلط عليه ويحكمه ويفرض عليه قوانينه واتباع وطنيته وفي الوقت نفسه يقصيه عنه! 
إن عنصرية المكان تصنع شخصية عنصرية في الطبع وتخلق من صاحبها معارضا يطلب حقوقه وينظر له الآخر عاصيا ناكرا انتمائه للمكان والجنسية, هو لم يتعمد أن يكون معارضا غير أن المكان نفسه صنع منه هذه الشخصية وربته على ذلك, والمتأمل لكل مكان في العالم أقصي مكانيا من أجل ذلك سيجد أن أكثر المعارضات وقد تكون الحروب كان منشأها مكانا تعنصر له وطنه الذي هو يعيش داخله حالة رفض وقهر.
العنصرية الناتجة عن المكان من أعقد أنواع المعارضات داخل الدولة فهي لن تكون مع مواجهة السلطة الحاكمة وحدها إنما في حالة صراع مع الفردية و المجتمع والدولة .. هي حالة موقوتة إن انفجرت لن يكون خطرها على وطنها فقط, بل العالم المحيط؛ لأن حالة القهر التي يعيشها المكان سيكون منبع تصب منه كافة أنواع الجرائم.   
من أصعب أنواع التحرر هو التحرر من المكان داخل مكانه، من الجزء الذي هو أصل في تركيبة الكل. 
والكثير بعد قراءة هذه الرواية انتشى فرحا وكأنه قبض على وثيقة يتهم بها أمريكا وانسانيتها بينما عبر نظرة عابرة وسريعة على عالمنا الإسلامي والعربي خاصة، سيجد في كل دولة مكانا مسيجا بسياج عنصرية بغيضة محشورة الناس فيها يا إما من أجل لغة أو لون أو دين. 
sa7ar.sud@gmail.com