كتاب سبر

المواطنون القطط

خلق الله – سبحانه وتعالى – البشر وخلق معهم الفروقات التي تميّز بينهم ويتنوّع هؤلاء بتنوع حاجاتهم و ميولهم، لهذا نفهم أن يقف البعض مع السلطة السياسية القائمة في بلده لأنه يرى مصلحة في ذلك.. هذا مفهوم، وقد يذهب البعض الآخر إلى معارضة نفس السلطة لأنه يرى مصلحة في ذلك أيضًا.. مفهوم جدًا، وقد تجد نوعا ثالثًا من البشر يقف على الحياد مع الاحتفاظ بحقه في الرفض والتأييد دون استخدام هذا الحق لصالح طرف دون آخر لمصلحة يراها هو ويعمل لأجلها.. جميل، إلى هنا والأمر طبيعي ومفهوم و لا يخرج عن إطار (الإنسانية) التي – ومنذ بدء الخليقة – تسعى لحياة أفضل وأكمل سواء تحقق لها ذلك أو لم يتحقق.
حتى النوايا داخل هذه المواقف قد تتفاوت، فمنّا من يتخذ هذا الموقف لمصلحة شخصية و بدافع أناني، ومنّا من يتخذ موقفه بهدف المصلحة العامة التي تعود في نهاية الأمر عليه بالنفع لإيمانه بكونه من ضمن هذا (العام) الذي يعمل له ويسعى لمصلحته، ومع كل هذا التباين في المواقف والتمايز بين هؤلاء ووسط كل هذا التصارع و التدافع بين تأييد ومعارضة، وعلى الخطوط الفاصلة الرفيعة يقف صنف من الناس لن تجده – بشكل ملحوظ – إلا في هذه الناحية من العالم.
في البدء تم إقناعهم بأن الدولة عبارة عن مطعم يقدم أشهى الطبخات العربية وأنهم شركاء مؤسسون في هذا المطعم، ثم – و بطريقة ما – تم إقناعهم بأنهم مجرد ضيوف على هذا (المطعم)، ثم تطوّر الموضوع وتم إقناعهم – بطريقة غير مفهومة – بأنهم مجرد (قطط) تسكن في حاوية تقع في فناء هذا المطعم، وبدأوا بالتأقلم مع هذا الوضع حتى ألفوه، مطالبهم بسيطة.. تنحصر بالحفاظ على حقهم في هذه المساحة والحرص على استمرار رمي بقايا (الوجبات الشهية) كل ليلة، مسالمون جدًا.. لا ينهون ولا يأمرون.. يكتفون بالأمن الذي يتوفر لهم في هذه المساحة ويحرصون على ألا يعبر أحدهم الشارع حتى لا تدهسه سيارات المارة، ركلة على البطن هنا أو رمي حجارة هناك لا تغضبهم فهذا أمر طبيعي في نظرهم والحياة مستمرة، فرحون بحالة الكسل و الخمول والإستلقاء الدائم في جميع فصول السنة ويعتبرونها من نعم (الأمن والأمان)، لا يعادون أحدا ويكتفون بـ(مواء) خفيف قبل الوجبات وبعدها قد يرتفع قليلا في موسم التزاوج  أو عند ملاحظة شيء من التردي في جودة الطعام المقدم لهم، طبعا قليل من المواء حتى لا يضطرب الجو العام، قد يكونون عدائيين في حالة واحدة.. إذا حاولت إخراجهم من تلك الحاوية  اعتقادا بأنك مرسل من (قطط) الشارع المقابل أو أن جهدك سينتهي بهم إلى قارعة الطريق بلا حاوية تؤويهم أو سقف يظللهم، أو إذا شعروا بأن مدير المطعم سيغضب وبالتالي قد يمنع عنهم بقايا الطعام، هم أسياد اللاموقف.. على أقصى درجات الحياد إلى حد البلاهة.. لا يهمهم من يدير المطعم ولا صحته ولا نواياه ولا أمانته ولا طريقة عمله أو حتى معاملته لهم ولا يفكرون بالهجوم عليه أو الدفاع عنه أصلا.. فهم يعتقدون بأنهم قطط.. و حقهم الوحيد هو استمرار وصول الطعام، مثل هؤلاء لا نتوقع منهم شيئا.. ولا نريد منهم شيئا سوى الكف عن قول (مياو) في يوم من الأيام !!
 ناصر المروت الخالدي
@Nasseralkhaldi