كتاب سبر

ألا قبرٌ يُباع فأشتريهِ ؟!

لم يدر في خلده يومًا أن يكون وطناً لقضية وقضية لوطن، ولم يدر في خلده يوماً أن يكون ورقة توت تسقط لتكشف عورة المدّعين الذين يغضبهم خدش في دستور ولا يلتفتون لطعنة في خاصرة مظلوم، ولم يدر في خلده يومًا أن أحلامه في الحصول على وطن ستتضاءل رويدًا رويدًا حتى تختزل في الحصول على قبر بحجم متر معاناة في متري حرمان، ليجسّد لنا بيت سعد علّوش واقعًا حيّاً: أبي ليا من متّ يعطوني قبر.
عادل العنزي الذي غادر وطنه – الذي لفظه حيّاً – بقلب مقبل على وطن جديد يتساوى فيها الغني والفقير والشريف والحقير في الحقوق والواجبات، وطن تخرج فيه من بيتك مقبّلاً أولادك وأنت مطمئنّ على مستقبلهم، وطن تعود فيه إلى بيتك وبإمكانك أن تحمل في يدك ما تسعد به أطفالك بدلاً من أن تقابل عيونهم العطشى بعيون لا شيء فيها سوى الأسى والحزن، وطن يشاطرك أفراحك ويواسيك حال أحزانك، وطن يحتضنك حيّا وميّتاً، وطن يضمن لك قبراً بعد مماتك.
عادل العنزي الذي أعاشوه في وطنه ميّتاً، ثمّ رفضوا أن يموت فيه ليعيش كذكرى أليمة في قلوب أهله، عادل لم يرد أكثر من شخص “عادل” يحمل ملف قضيّته، وينظر إليه كصاحب حقّ، ولم يرد أكثر من شعب “عادل” ينظر إليه كفرد من أفراده لا كدخيل يقتنص الفرص للانقضاض على خيرات البلد، شعب، ينتفض من أجل الإنسان والإنسان فقط بعيداً عن أي رتوش، ولم يرد أكثر من سياسيّ صادق يذود عن قضيّته بدلاً من أن يتكسب من خلالها، ياااااه كانت مطالبه بسيطة جدّاً وهي اليوم أبسط، فهي لا تتعدى رغبته في الحصول على قبر.
ذهب عادل وبقي جثمانه لمن بعده آية، ذهب عادل وحتى كتابة هذه الأسطر لم يجد له قبراً في وطنه، ولكنه بالتأكيد وجد قبراً لوطنه في قلبه، ها هو جثمان عادل ينتظر قرارًا ممن بيده القرار ولو نطق لقال: “ألا قبرٌ يُباع فأشتريهِ ؟!” .
بقلم.. منصور الغايب