كتاب سبر

قصّة معاناة قصيرة

تعرف بأنك قد وصلت من الحزن غايته حين تغبط من حولك على ابتساماتهم الصادقة وضحكاتهم الخارجة من أقصى قاع القلب وكأنها تنبئ عن قلب خالٍ من الهموم وبالٍ مرتاح من أي شيء إلا من الانشغال بكيفية قضاء الأوقات في السعادة ، فتضطرّ أن ترقص أمامهم مذبوحاً من الألمِ وأنت تردد في داخلك ” أضحك مع اللي ضحك والهمّ طاويني” .
وتعرف بأنك قد وصلت من الضعف غايته حين تصبح دون أن تشعر ودون أن تختار مثاراً للشفقة وموطناً خصباً لتعاطف الآخرين لتتيقن حينها رغم نواياهم السليمة بأن الآخرين هم الجحيم كما يقول سارتر وكيف لا وهم يقتلونك ألف مرّة بنظرات التعاطف والشفقة تلك والتي قد لا تخلو أحياناً من عرض خدمات كاذب ما أطلقه صاحبه إلا من باب “أنا خويّك بالليالي المعاسير” ليظفر منك بكلمة “ونِعم” .
وتعرف بأنك قد وصلت من البخل غايته حين تعجز حتى عن تقديم ابتسامة صغيرة لابنك الذي شارف على بلوغ عامه الرابع بشهادة ميلاد عمرها سنتان ، لترى في عينيه قصة أعوامك الممتلئة حزناً وبؤساً ، وكأنك لاعب في ملعب المعاناة قد استنفد كل طاقته وصبره وبات قريباً من الإصابة بشدٍّ (عصبيّ) يردد معه مراراً وتكراراً يامثبت العقل والدين ياربّ ، ويخشى صيحات استهجان الجماهير وضحكاتهم فيردد داعياً “ياالله صبّرني على الأرض لاطيح”  ، وينظر باستمرار ناحية دكّة البدلاء الذين هم من صلبه لعلّ أحداً منهم يقفز ذات غياب وعي وحضور طنخة فيقول : أنا لها أنا لها ! ، ليكمل مسيرة المعاناة قبل نفاد دقائق الحياة .
وتعرف بأنك قد وصلت من العجز غايته حين يكون النوم هو المكان الوحيد الذي تعانق فيه أحلامك وتراها تتحقق كما تريد أنت ، تكبر أمام عينيك ترعاها بابتسامة وتحيطها بفرح حتى تؤتي أكلها في حضرتك وتتمنى أن يحصل ذلك كله قبل لحظة إيقاظ لا تراعي فيك إلاًّ ولا ذمّة ، ويكون العجز قد بلغ منك مبلغاً حين يجبرك على استجلاب أحلامك معك من بلاد الأحلام إلى بلاد الواقع التعيس لتعيش أحلام يقظة تصيّر منك مجنون “ليلة” عجز تحدّث فيها نفسك وتدخل معها في نقاشات تبدأ ولا تنتهي وتخشى بذهاب أحلام اليقظة تلك أن تذهب بما تبقى لديك من رصيد عقل ربما لايختلف كثيراً عن رصيدك المالي .
وتعرف بأنّك قد وصلت من التشاؤم غايته حين يكون دافعك الوحيد للتفاؤل هو يقينك بأنه لا شيء أسوأ من اليوم فحتماً سيكون الغد أفضل ، وهذا وإن كان في ظاهره تفاؤلاً إلا أنه في حقيقته تشاؤم قد جاوز القنطرة .
وتعرف حين تصل إلى هذه الفقرة بأنك قد قرأت قصة معاناة قصيرة بل قصيرة جدّاً لآلاف من البشر يعيشون حولك ربما كنت قبل هذه الأسطر لا تشعر بهم .