كتاب سبر

قيدٌ أمنيٌّ احترازيّ !

قد هوّن الصبر عندي كلّ نازلةٍ
وليّن العزم حدّ المركب الخشنِ
المتنبي
عش رجباً ترَ عجباً ، وأيّام الكويتيين البدون من حيث الأعاجيب كلها رجب ، ومطالبهم الحقّة لازالت منذ عقود طويلة ملقاة في غيابة جُبّ الإهمال تنتظر أن يلتقطها بعض السيارة الذين لم يجد الكيل بمكيالين إلى قلوبهم طريقاً ، ولم يجد النظر بعين واحدة إلى عيون بصائرهم سبيلاً ، وينظرون للإنسان كإنسان بعيداً عن مباديء التكسب والمنفعة ، ولكن مع الأسف يبدو أن كل هذه المطالب بيعت قبل التقاطها بتهاون بخس ولا مبالاة رخيصة ، وليت الذي اشتراها أكرم مثواها ، بل نراه يسيم أهلها سوء العذاب النفسي يوماً بعد يوم ، ويتفنّن في التلاعب بعواطفهم ومشاعرهم ليجسّد واقعاً حيّا ( من فرعنك ؟! قال : ما لقيت أحد يردّني ) ، وليريهم كل يوم من عجائب رجبهم التي لا تنتهي .
يطلّ علينا سعادة الوزير الموقّر ليزف لنا خبراً مفاده أن القيود الأمنية الموضوعة على فئة ليست بالقليلة من الكويتيين البدون هي إجراء احترازي ليس إلا ، لأنّ النفس البدونية والله المستعان أمّارة بالسوء أكثر من غيرها والحذر منها واجب ، ولأن البدون لا يؤمن جانبهم حتى مع إثبات أنهم الأقل عنفاً والأكثر التزاماً بالقوانين رغم توفّر دواعي الانحراف والجريمة لدى أكثرهم ، وتقييدهم بهذه القيود الاحترازية التي دمّرتهم لاشكّ بأنّه عمل وطنيّ يشكر عليه سعادة الوزير الذي اتّخذ شعار (البدون اللي ممكن تجيك منّه الريح حط له قيد احترازي واستريح) !
أعمار تضيع هدراً ، وأحلام تسرق ، وطفولة تُغتال ، ومواليد بلا شهادات ميلاد ، ووفيات بلا شهادات وفاة ، وشباب بلا عمل ، وأسر تعجز عن دفع إيجارات مساكنها ، ونساء فاتهنّ قطار الزواج وتبخرت أحلامهن بسماع كلمة ماما ، وكبار سنّ ماتوا غيظاً وكمداً وحزناً على مستقبل أبنائهم ، وحرمان يتلوه حرمان ، وظلمٌ يعقبه ظلم ، وكل هذا بسبب قيود أمنية احترازية كما أسماها سعادة الوزير الموقّر ، فياالله … كم بقي في رجب البدون من الأعاجيب ؟! .
يوماً بعد يوم يتكشف للجميع بأن أكذوبة القيود الأمنيّة هي من صنيعة القائمين على هذا الملف منذ فترة ليست بالقصيرة ، وأنها ليست إلا ذريعة يتذرعون بها كلّما طولبوا بحلّ هذه القضية العالقة منذ عقود ، وأن رفضهم بتحويل الأمر برمّته إلى القضاء يأتي ليقينهم بأنهم خاسرون لا محالة ، وأنّهم سيعودون من ساحات القضاء بيدٍ خالية وأخرى لاشيء فيها ، فهاتِ ما عندك يا رجب البدون هاتِ ، فإنّا لأعاجيبك منتظرون ، وعلى الله متوكّلون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون .