آراؤهم

القرضاوي …أيها المدرسة

عندما كنت في المرحلة الثانوية وقبل تعرفي على شباب الدعوة إلى الله بجمعية الإصلاح، كنت أكره بعض الشخصيات والرموز الإسلامية بسبب ما يتناقله الناس عنها من صور مشوّهة بطريقة تجعل الناس فعلًا لا ترى تلك الشخصيات الا باللون الأسود، ولكن بعد هذه الرحلة بدأت أكثر بالتعرّف على رموز الدعوة الإسلامية من خلال قراءة كتبهم وسماع أشرطتهم والبحث عن تاريخهم ومواقفهم، فتغيّرت عندي أمور كثيرة وكنت اسأل ما هذه الغفلة التي فيها الناس؟ فقد وصلنا لمرحلة الحقيقة فيها مغيّبة تماماً، ومن هذه الأسماء التي اكتشفت لاحقًا مدى أهميتها وجهودها المباركة، هو العلّامة يوسف القرضاوي.
لقد تعرفت على القرضاوي عن قرب أكثر من خلال كتبه، فوجدت أن مؤلفاته تجاوزت 140 كتابًا في شتى العلوم، ففي الفقّه تجد كتاب فقه الزكاة هو كتاب عظيم مهم صار مرجعًا هامًا في بابه في العالم الإسلامي كلّه، وفعلًا الكتاب صار مرجعًا في هذا الباب للاقتصاديين، والقرضاوي أصوليًا ومقاصديًا أيضًا، بحر عميق خاصةً ورأيه في قضية المذهبية والاعتدال فيها، والقرضاوي في العقيدة بحر كبير سواء في مؤلفاته في التوحيد أو عن التيارات المعادية للإسلام مثل العلمانية والشيوعية وغيرها، حتى لا تكاد تجد من يتحدّث عن هذه المواضيع إلا وتجده استعان بكتب القرضاوي، والقرضاوي مفكرًا فأيضًا بحر كبير وضع المشاريع الإسلامية وبسّطها ونقدها وأرشدها واهتم بالصحوة الإسلامية اهتمامًا بالغاً، وأما كتابه أولويات الحركة الإسلامية، تجد فيه العمق وبعد النظر للمستقبل، وهذا الأمر نادرًا أن تجده عند أهل العلم، القرضاوي شاعرًا فهذا بحر أيضًا جميل أيضًا فنونيته تشهد خاصةً في السجون وقصيدته الرائعة عن فلسطين التي أنشدها المنشد مشاري العرادة والمنشد حمود الخضر لاحقاً.
لعلّ الكلام في مديح القرضاوي والثناء عليه وفضله لا يسع المجال لذكره، فيحتاج لمؤتمرات وكتب وغير ذلك (ولست مبالغًا) وأريد أن أتطرّق إلى موقف رائع للعلّامة القرضاوي، عندما تحدّث أنه أخطأ في موقفه السابق من حزب الله والصفويين عموماً، وأن علماء السعودية كانوا على حق، فالذي قاله القرضاوي كلمة أظن أنها في زمن السلف الصالح وليست في زماننا الذي يكثر فيه عدم الإنصاف والتعصّب وغير ذلك من الأمراض، وفعلًا القرضاوي مدرسة في ذلك، فمن الذي يقول اليوم وهو في حجم القرضاوي وعلمه وعدد خصومه الذين يتربصون فيه على كل أمر أنه أخطأ ويتراجع، ففي المقابل كم رأي وفتوى للقرضاوي تمت محاربتها سابقًا من البعض، وبعد سنين تم العمل فيها من الذين حاربوها أو صار الأمر عادياً، فكيف ننسى فتوى الرمي بعد الزوال بالحج وغيرها الكثير، يبقى القرضاوي بشر يصيب ويخطئ وله من الأخطاء التي يختلف معه كثير من الناس والعلماء وهم محقون في ذلك.