جرائم وقضايا

سبر تنشر دراسة “العياش” حول الانتهاكات الدستورية للاتفاقية الأمنية

حصلت سبر على دراسة لاستاذ القانون د.”مرضي العياش” يستعرض فيها الانتهاكات الدستورية للاتفاقية الأمنية.. حيث قام بالتعليق على كل مادة من الاتفاقية، ليطرح ما يتعارض معها من مواد الدستور الكويتي.

وخلص في دراسته إلى أن توقيع مثل هذه الاتفاقية يعتبر عودة للوراء بالنسبة للكويت كدولة تتمتع بهامش كبير من الحقوق والحريات

وجاء نص الدراسة.. كالتالي:-

دراسة 
في 
الانتهاكات الدستورية للاتفاقية الأمنية
تمهيد
  • بتاريخ 2012/11/13 تم التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من قبل وزراء الداخلية في الرياض، وتم اعتمادها خلال أعمال الدورة الثالثة والثلاثين والتي عقدت في مملكة البحرين خلال الفترة من 24 – 25 ديسمبر 2012. 
  • وقبل التعليق على نصوص الاتفاقية، وبيان مدى توافقها مع النظام القانوني الكويتي، أجد من المناسب عرض نص المادة 70 من الدستور والتي تنص على أن: 
“يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فورا مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.
على ان معاهدات الصلح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة او ثرواتها الطبيعية او بحقوق السيادة او حقوق المواطنين العامة او الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة، والإقامة، والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الميزانية او تتضمن تعديلا لقوانين الكويت يجب لنفاذها ان تصدر بقانون.
ولا يجوز في اي حال ان تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية.”
  • ولما كانت الاتفاقية – كما سنرى – تتعلق بسيادة الدولة وحقوق المواطنين قد تتضمن تعديلا لقوانين الكويت يجب لنفاذها أن تصدر بقانون. 
  • وإعمالا للفقرة الثانية لنص المادة (70) فقد أحال رئيس مجلس الأمة الاتفاقية إلى لجنة الشؤون الخارجية بتاريخ 21/4/2013 لمناقشتها ومن ثم عرضها على المجلس للتصويت تمهيدا لصدورها بقانون، وبذلك تكون قد دخلت النظام القانوني الكويتي وأصبحت جزء منه.
التعليق على أهم نصوص الاتفاقية:
  • وبمطالعة نصوص الاتفاقية نجدها تقع في عشرين مادة، ومن خلال دراستنا لها تبين أنها تنتهك نصوص المواد (1)،(6)،(7)،(8)،(28)،(30)،(31)،(32)،(34)، (39) ،(46)،(159)،(166)،(167) من الدستور، فضلا عن مخالفتها لبعض القوانين الوطنية العادية، وعدم وضوح بعض نصوصها، وذلك على النحو التالي: 
أولا: المادة (1) من الاتفاقية: “تتعاون الدول الأطراف في إطار هذه الاتفاقية، وفقا لتشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية”.

-التعليق:
 
رغم أن هذا النص يعتبر قيدا على نفاذ بعض نصوص الاتفاقية التي تتعارض مع القوانين الكويتية، إلا أنه يجب الانتباه إلى أن نص المادة (70) من الدستور أعطى للاتفاقيات الدولية مرتبة القانون العادي التي بطبيعتها أدنى مرتبة من الدستور، ولكنه سمح لها (أي للاتفاقيات) بأن تتضمن تعديلا على القوانين بشرط أن تصدر بقانون. ومن المعلوم أيضا – وفقا للقواعد العامة – أن القانون الجديد ( الذي تصدر به الاتفاقية) ينسخ القانون القديم (القانون الكويتي) وفقا لقاعدة “اللاحق يلغي السابق” إن لم تقيد الاتفاقية التعارض بسمو القانون الوطني. 
كما يجب التنويه على  أن آلية التوفيق بين نص المادتين (1) و(6) فقرة (ب) من الاتفاقية (الذي يتطلب على قدر الإمكان العمل على توحيد القوانين والأنظمة والإجراءات بما يكفل مكافحة الجريمة) لن يكون له أي جدوى دون تعديل القوانين الداخلية لتنسجم مع نصوص هذه الاتفاقية.
  وهذا ما قد يثير بعض الإشكالات في المستقبل من حيث كيفية وأسلوب التوحيد في ظل نظم دستورية أو قانونية مختلفة قد لا تتوافق مبدئيا مع أسس النظام الديمقراطي الكويتي المؤكد عليها صراحة في نص المادة (6) من الدستور التي تنص على أن:” نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور.”.
بل أن هناك من يرى بأن آثار الاتفاقية الدولية تسمو على الدستور من حيث المستوى الدولي الخارجي، فالقانون الدولي لا يعنيه كثيرا النظام الدستوري والقانوني الداخلي للدولة الطرف، فمجرد تصديق الدولة على الاتفاقية الدولية فإنها ترتب آثارها وتلتزم بها الدولة الطرف ولو كانت هذه الاتفاقية تتعارض مع نظامها القانوني الداخلي وفقا لنص المادتين (27)،(46) من اتفاقية فيينا في شأن قانون المعاهدات لسنة 1969. 
وفي هذا الشأن تنص المادة (27) على أنه: “لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة، لا تخل هذه القاعدة بالمادة 46″. في حين أن المادة (46) تنص على أنه:” 1- ليس للدولة أن تحتج بأن التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات كسبب لإبطال هـذا الرضا إلا إذا كانت المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي. 2- تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعية لأيـة دولة تتصرف في هذا الشأن وفق التعامل المعتاد وبحسن نية.”. 
ومن المعلوم أن فرضية الاختصاص غير متوافرة ذلك أن المخول بعقد الاتفاقيات وفقا للقانون الدولي هو رئيس الدولة، وربما فيها من الجدل ما لا يمكن معه تطبيق هذا الاستثناء للتحلل من تنفيذ الاتفاقية في حال تعارضها مع نصوص الدستور.
إذن سوف تواجه الدولة في هذه الحالة مأزق بين وجوب تنفيذ الاتفاقية إعمالا لقواعد القانون الدولي، وعدم تنفيذها لتعارضها مع تشريعاتها الداخلية. ولذلك فقد أصبح دور المحكمة الدستورية في إلغاء هذا النوع من الاتفاقيات يرتب – قانونيا وعمليا – أزمة على المستويين الداخلي والخارجي لتضادهما. 
أضف لذلك أن نصوص الاتفاقية سوف تبقى سارية وواجبة التطبيق إلى أن تقضي المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، وهذا –غالبا- سوف يأخذ وقتا طويلا. (انظر في ذلك د. رشيد العنزي، القانون الدولي العام، الطبعة الثالثة، 2009، راجع بشكل عام من ص 317- 325، وتحديدا 323-324-325)   
لكل ما سبق، فقد لا يعد نص المادة (1) من الاتفاقية يمثل قيدا جديا مانعا في عدم تعديل التشريعات الكويتية بمواجهة نصوص الاتفاقية الأمنية التي تتعارض مع كثير من النصوص القانونية والدستورية، وربما محاولة التركيز على التعارض بين الاتفاقية و الدستور هو الأجدى للتصدي لهذه الاتفاقية باعتباره القانون الأسمى. 
ثانيا: المادة (2): “تتعاون الدول الأطراف فيما بينها، لملاحقة الخارجين على القانون او النظام، او المطلوبين من الدول الأطراف، ايا كانت جنسياتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”.

-التعليق: 
لم يبين النص المذكور بوضوح كيفية التعاون لملاحقة الخارجين عن القانون، ولم تضع المذكرة الإيضاحية أي تفسير لهذا النص، حيث اكتفت بترديده كما هو. 
لذا قد يثور التساؤل حول عبارة ” الخارجين على النظام”. فالنظام القانوني الجنائي (الكويتي) قائم على عدة مبادئ نص عليها الدستور صراحة في الباب الثالث المتعلق بالحقوق والحريات (31، 32، 33، 34)، والفصل الثالث من الباب الرابع الذي يتناول بالتنظيم السلطة القضائية (انظر تحديدا المواد 163، 164، 165، 166، 167)، وربما بعض الدول الأطراف لا تعرف هذه المبادئ في تشريعاتها وربما لا يتناسب نظامها القانوني مع نظام دولة الكويت. 
أضف لذلك أن هذا النظام الجنائي قائم على مبدأ الشرعية الجزائية الذي يتطلب التحديد والتقنين إعمالا لنص المادة 32 من الدستور الذي يأبى أن تكون الجريمة والعقوبة إلا منصوص عليها بقانون، فما هو المقصود بـ “الخارجين على النظام”؟! وما هو المقصود بـ” باتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”؟! وكيف سوف يتم التعاون في ملاحقة الأشخاص، أيا كانت جنسيتهم رغم أن الدستور يمنع تسليم الكويتيين أو اللاجئين السياسيين إلى دولة أجنبية؟! ( المادتان 28، 46 من الدستور). وان كانت الملاحقات الامنية مقيدة على ضوء التشريعات الوطنية للدول الأطراف كل على حدة، فما هي الإضافة لمثل هذا النص وما هو وجه الحداثة فيه مادامت تلك التشريعات الوطنية كفيلة بها لوحدها دون مغايرتها للاتفاقية؟!
ثالثا: المادة (3): ” تعمل كل دولة طرف على اتخاذ الإجراءات القانونية فيما يعد جريمة، وفقا للتشريعات النافذة لديها، عند تدخل مواطنيها او المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأطراف الأخرى”.

-التعليق:
كفل الدستور الكويتي حرية التعبير عن الرأي في المادة 36 منه، بما فيها تلك الآراء التي قد تعتبر تدخلا في شؤون الدول الأطراف الأخرى، فالشأن الخليجي – أو الدولي بصفة عامة – لم يعد حكرا على مواطني الدولة، ولا هو أقل أهمية عن الشأن المحلي الذي قد يتأثر بالشأن الدولي وبخاصة في المسائل المتعلقة بحقوق الانسان، وأي تقييد لحرية الرأي تعد مخالفة دستورية وللنص سالف الذكر، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، اشترطت المادة 3 من الاتفاقية، كي يتم اتخاذ الإجراءات القانونية، أن يكون هناك ما يعد جريمة، وفقا للتشريعات النافذة لدى الدولة الطرف في الاتفاقية، عند تدخل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. إذن نص المادة (3) من الاتفاقية يطالب بتطبيق القانون الوطني على مثل هذه الجرائم، والتساؤل المستحق: ما هي فائدة مثل هذا النص (أي نص المادة 3 من الاتفاقية)؟! وما الإضافة الجديدة التي يقدمها؟! لأنه وبطبيعة الحال سوف تطبق كل دولة تشريعاتها الوطنية على أي شخص – مواطنا كان أو مقيما- تعدى حدود القانون بأن ارتكب فعلا مجرما ماسا بأحد الدول الأطراف.
رابعا: المادة (4): تتعاون كل دولة طرف بإحاطة الأطراف الأخرى – عند الطلب – بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة او المقيمين بها، في مجال اختصاصات وزارات الداخلية.

-التعليق:
فضلا عن مخالفة نص المادة 4 من الاتفاقية لنص المادتين 30 و 39 من الدستور – اللذان كفلا الحرية الشخصية وحرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية وكفل سريتها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه واللذان أحاطا المعلومات والبيانات الشخصية بسياج من الحماية الدستورية للحياة الخاصة – لم يتطلب نص الاتفاقية لأي شروط أو ضمانات لتقديم المعلومات الشخصية للدولة الطالبة كأن يكون الشخص المطلوبة بياناته مُدان بحكم قضائي. 
ولا يغير من انتهاك النص للدستور كون الشخص المطلوبة بياناته الخاصة من مواطني الدولة الطالبة أو المقيمين بها، ذلك أن نص المادتان 30، 39 من الدستور وردا بصيغة مطلقة وبالتالي يسريان على الوطني والأجنبي دون تمييز لجنسيتهما أو محل إقامتهما.
خامسا: المادة (6): تعمل الدول الأطراف، قدر الإمكان على الآتي:

أ-..
ب – توحيد القوانين والأنظمة والإجراءات بما يكفل مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها وأنواعها، تحقيقا لأمن الدول الأطراف.

-التعليق:
تتسم دولة الكويت بنظام ديمقراطي مختلف يميزها عن جميع الدول الأطراف، ويحيط بنظام الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي العديد من المقومات والضمانات، سواء تلك الواردة في الدستور أو التشريعات الجزائية، ويحكم الكويت نظام قانوني جزائي وضعي.
لكل ذلك، من الصعب جدا العمل على توحيد القوانين والأنظمة والإجراءات بيننا وبين بعض الدول الأطراف لعدم تماثل الأنظمة القانونية للدول الأطراف أو حتى لخصوصية كل نظام. ولربما يفقدنا هذا التوحيد العديد من الضمانات القانونية التي نتمتع بها، لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق والحريات، والتي قد لا يتمتع بها غيرنا من الدول الأطراف، وفي ذلك شبهة انتقاص غير مباشرة لبعض مقومات وضمانات الديمقراطية التي كفلها لنا الدستور، وكل ذلك  بحجة التنظيم والتوحيد بين التشريعات الخليجية.
سادسا: المادة (10): تعمل الدول الأطراف بشكل جماعي أو ثنائي، على تحقيق التكامل الفعلي للأجهزة الأمنية والتعاون الميداني فيما بينها، وتقديم الدعم والمساندة في حالة الطلب لأي دولة طرف، وفقا لظروف الدولة والدول الأطراف المطلوب منها، وذلك لمواجهة الاضطرابات الأمنية والكوارث.

-التعليق:
تنص المادة (1) من الدستور على أن “الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها. وشعب الكويت جزء من الأمة العربية.” ولا شك أن التدخل بشؤون البلاد الداخلية بأسلوب عسكري (( أو كما أسمته الاتفاقية: ” التعاون الميداني وتقديم الدعم والمساندة في حالة الطلب.. وذلك لمواجهة الاضطرابات الأمنية والكوارث”)) يمثل انتهاكا صارخا لسيادة الدولة واستقلالها، حيث يعتبر تدخل القوات الأجنبية في الشأن المحلي بمثابة نزول عن السيادة لمصلحة قوات أجنبية، رغم أن “الدولة وحدها (أي الكويت)هي التي تنشئ القوات المسلحة وهيئات الأمن العام وفقا للقانون.”. (المادة 159 من الدستور). 
ويبدو جليا أن المقصود من “الاضطرابات الأمنية” هي الاضطرابات الداخلية وليس الغزو الخارجي، كما يبدو واضحا أن مدلول ” التعاون الميداني” هو إرسال قوات خليجية للداخل الكويتي.
سابعا: المادة (14): أ – تعمل الدول الأطراف على ايجاد آلية لتنظيم سلطات الحدود، وتكون ثنائية بين كل دولتين من الدول الأطراف، يتم في ضوئها التعاون في مجال ضبط الحدود المشتركة من حيث:

-1 عقد اجتماعات دورية.
-2 تنظيم وتنسيق دوريات تلاقي، ودوريات مشتركة.
-3 تنظيم عمليات المطاردة البرية والبحرية.
-4 تقديم المساعدة والإسعافات الأولية اللازمة على الحدود عند الطلب.
-5 تنظيم الاتصالات المشتركة في المراكز الحدودية.
-6 التنسيق بشأن فتح المنافذ الحدودية بين الطرفين. 
ب – في حال عدم وجود اتفاق ثنائي، وفقا لما ورد في الفقرة (أ) لا يجوز لدوريات المطاردة التابعة لأي دولة من الدول الأطراف اجتياز الحدود البرية للدولة المجاورة، ويجوز لدوريات المطاردة البحرية اجتياز الحدود حتى نقطة تلاقي الدوريات بحرا، والتي يتفق عليها بين الدولتين المتجاورتين، وتتولى دوريات الدولة التي دخل المطاردون إلى حدودها بعد إبلاغها بذلك مطاردتهم، وإلقاء القبض عليهم، وتسليم جميع ما في حوزتهم، ووسائط نقلهم إلى أقرب مركز أو دورية تابعة للدولة التي بدأت المطاردة في إقليمها متى كانت القوانين (الأنظمة) المعمول بها في الدولة التي تم إلقاء القبض فيها تسمح بذلك.”
-التعليق:

يفهم من الفقرة (ب)، بمفهوم المخالفة، أنه في حال وجود اتفاق ثنائي وفقا للفقرة (أ)، فإنه يجوز لدوريات المطاردة البرية أو البحرية لأي دولة من الدول الأطراف اجتياز حدود الدولة المجاورة، حيث تركت الفقرة الفقرة (أ) حرية تنظيم وتنسيق دوريات تلاقي، ودوريات مشتركة وتنظيم عمليات المطاردة البرية والبحرية، والتنسيق بشأن فتح المنافذ الحدودية، لمحض إرادة الدولتين المتجاورتين حدوديا، دون أن يتضمن النص أي قيد عليهما من حيث حدود ذلك التنسيق الذي لا يجوز أن ينتهك سيادة الدول الأطراف على أراضيها. 
وهذا ما لا يتوافق مع نص المادة (1) من الدستور سالفة البيان حيث يعتبر انتقاصا من سيادة الدولة وهيمنتها على أراضيها، كما أنه لا يتماشى مع نص المادة (159) أيضا التي تعطي لرجال الأمن الوطنيين حق الهيمنة على أمن البلاد باعتبارهم مأموري الضبط القضائي. 
أما من حيث تسليم الأشخاص الذين تتم مطاردتهم الى الدولة المجاورة التي بدأت المطاردة في إقليمها الواردة في الفقرة (ب) قد تبدو لأول وهلة مخالفة لنص المادة 28 من الدستور التي تنص على أنه: ” لا يجوز إبعاد كويتي عن الكويت او منعه من العودة إليها.”، والمادة 46 من الدستور التي تقرر أن ” تسليم اللاجئين السياسيين محظور.” فإن كان الشخص المطارد كويتيا أو لاجئا سياسيا، فلا يجوز للسلطات الكويتية، بعد القبض عليه، أن تقوم بتسليمه إلى الدولة المجاورة عملا بالمادتين الدستوريتين السالفتين. 
ولكن هذا الظن ربما يتبدد بالقيد الذي أوردته الفقرة (ب) لما قررت في نهايتها على أن هذا التسليم جائز مرهون بـ: ” متى كانت القوانين (الأنظمة) المعمول بها في الدولة التي تم إلقاء القبض فيها تسمح بذلك.”
ثامنا: المادة (16): “تعمل الدول الأطراف وفقا لما تقضي به التشريعات الوطنية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الطرف المطلوب منها التسليم على تسليم الأشخاص الموجودين في اقليمها، الموجه اليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها.”

-التعليق:
يبدو أيضا أن هذا النص يخالف نصوص المواد (7)،(8)،(28)،(30)،(31)،(32)،(34)،(46)،(166)،(167) من الدستور.
ورد في نص المادة (16) من الاتفاقية إمكان تسليم الأشخاص (أيا كانت جنسيتهم أو سبب تواجدهم على الإقليم الوطني) دون حتى  صدور حكم قضائي بحقهم من إحدى الدول الأطراف، أي بمجرد  توجيه اتهام إليهم فقط! 
وعلى الرغم من وجود قيد على سريان هذا النص، عندما رهن تطبيقه: “وفقا لما تقضي به التشريعات الوطنية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الطرف المطلوب منها التسليم”، إلا أننا سنشير لمواضع الانتهاكات والشبهات الدستورية الموجهة له.
  • فمن حيث المادة (7) فقد أكد الدستور الكويتي مقتضيات العدل والحرية والمساواة وهذا لا يتناسب البتة مع إمكان تسليم أولئك الأشخاص لأي دولة طرف لمجرد أنهم متهمين لديها.
  •  فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ( المادة 34).
  •  وفيه (أي نص المادة 16 من الاتفاقية) انتهاك للأمن والطمأنينة والحرية الشخصية التي تكفلها الدولة وتصونها ة للأفراد ( المادتين8، 30 من الدستور).
  •  حيث لا يجوز تسليم الكويتي أو اللاجئين السياسيين لأي دولة أخرى بالمخالفة للدستور ( المادتين 28، 46 من الدستور).
  •  ولا يجوز القبض وتقييد حريته إلا وفقا لأحكام القانون (المادة 31 من الدستور).
  •  فلا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون (32 من الدستور).
  •  ثم أن حق التقاضي يجب أن يمارس وفقا للقوانين والإجراءات التي نص عليها القانون (166). 
  • وقد حرص الدستور بأن يعهد الاختصاص في الدعوى العمومية إلى النيابة العامة التي تشرف على شؤون الضبط القضائي وتسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، وفي نص المادة (16) من الاتفاقية مصادرة لدور النيابة العامة واختصاصاتها عن طريق عهدها إلى السلطة التنفيذية غير المختصة التي سوف تمنحها لسلطة أجنية غير مختصة وفقا للمادة (167) من الدستور. 
تاسعا: المادة (18): تتخذ الدول الأطراف الإجراءات الضرورية للمحافظة على سرية المعلومات والمواد والوثائق والمستندات المتبادلة بينها، بموجب هذه الاتفاقية، ولا يتم استخدامها في غير الأغراض التي طلبت من أجلها، أو تسليمها أو الإفصاح عنها أو إفشائها لطرف ثالث دون موافقة كتابية من الطرف الذي قدمها.

-التعليق:
لم تتوقف الاتفاقية على تبادل المعلومات والوثائق السرية بين الدول الأطراف على الدولة الطالبة في انتهاك بيّن لنصوص الدستور المتعلقة بالحقوق و الحريات (المادة 30 )، بل زادت في نص المادة (18) من الاتفاقية على إمكان إفشائها لطرف ثالث دون أي قيد سوى موافقة كتابية من الدولة التي قدمت المعلومات.
عاشرا: المادة (19): لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بالاتفاقيات الثنائية المرتبطة بها بعض الدول الأطراف فيما بينها، وفي حالة تعارض أحكام هذه الاتفاقية مع أحكام إحدى هذه الاتفاقيات الثنائية، تطبق الدولتان في علاقاتهما المتبادلة الأحكام الأكثر تحقيقا للتعاون الأمني الشامل.
التعليق:
يبدو أن هذا النص غامض أو معيب، فهو يعطي الأولوية للاتفاقيات الثنائية المرتبطة بها بعض الدول الأطراف فيما بينها، أي تلك الاتفاقيات التي سبق للدول الأطراف أن ارتبطت بها، ومن المعلوم أن إعطاء الأولوية لنص على حساب نص آخر يفترض وجود حالة تعارض بين النصين، السابق واللاحق، وذلك عندما قرر: ” لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بالاتفاقيات الثنائية..”.
  محل الاستغراب يكمن في عودة ذات النص ليقرر أنه وفي حالة تعارض أحكام هذه الاتفاقية مع أحكام إحدى الاتفاقيات الثنائية الأخرى، تطبق الدولتان في علاقاتهما المتبادلة الأحكام الأكثر تحقيقا للتعاون الأمني الشامل! وهذا يعني أنها بعودتها تلك قد نسفت مقدمة النص بنهايته، ولم تعد الأولوية للاتفاقية الثنائية السابقة الأخرى التي سبق ان ارتبطت بها بعض الدول الأطراف، وذلك عندما أجاز النص في حالة تعارض أحكام هذه الاتفاقية مع أحكام إحدى هذه الاتفاقيات الثنائية، أن تطبق الدولتان في علاقاتهما المتبادلة الأحكام الأكثر تحقيقا للتعاون الأمني الشامل! 
والسؤال الذي يثور، ما هو معيار الأحكام الأكثر تحقيقا للتعاون الأمني الشامل؟! ومن يقرر ذلك؟! حتى أن المذكرة الإيضاحية لم تضع تفسيرا لهذا النص، هي رددته فقط. 
المؤكد أن تفسير “الأحكام الأكثر تحقيقا للتعاون الأمني الشامل” سوف يكون من اختصاص وزارت الداخلية، ومن المعلوم أن القيادات الأمنية تميل إلى التضييق على الحقوق والحريات غالبا بحجة سيادة الأمن.
الخلاصة:
نخلص بأن الاتفاقية مخالفة لكثير من النصوص الدستورية التي يتميز بها النظام الكويتي عن غيره من الدول الأطراف، وتوقيع مثل هذه الاتفاقية يعتبر عودة للوراء بالنسبة للكويت كدولة تتمتع بهامش كبير من الحقوق والحريات، وشرعنة للتجاوزات التي ربما تحدث فعلا. 
أضف لذلك أن بعض نصوص الاتفاقية جاءت غامضة ومبهمة، وبعضها الآخر تثير الغرابة والحيرة لأنها لم تضف شيئا جديدا وكأنه لا داع لوجودها. الخلل طال أيضا المذكرة الإيضاحية، فلم تتضمن أي تفسير للنصوص، فقط اكتفت بترديد النصوص كما وردت بالاتفاقية ترديدا شبه حرفي، وكأنها فسرت الماء بالماء! 
أخيرا ثمة سؤال جوهري يجب أن يُطرح لم أجد إجابة له: إذا كانت المادة الأولى من الاتفاقية تمثل قيدا على تطبيق نصوصها القانونية التي تتعارض مع التشريعات الوطنية (الكويتية)، وهي كثيرة جدا وربما تمثل الغرض الأساسي من الاتفاقية، فما فائدة الدخول في هكذا اتفاقية مادام جزء كبير من نصوصها سوف يتعطل لاصطدامه بالتشريعات الكويتية؟! 
                                     تم بعون الله،،
                                                                د. مرضي العياش 
                                                              (أستاذ قانون بجامعة الكويت)