كتاب سبر

حيثيات لابد من وجودها في حكم الدستورية المرتقب بتاريخ 2013/6/16

الكل ينتظر حكم المحكمة الدستورية الذي سيصدر في الطعون الانتخابية الخاصه بالانتخابات التي جرت بشهر ديسمبر2012، وأهمها المقدمه علي أساس بطلان  المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية لمخالفته أحكام الماده 71 من الدستور.
والجدير بالذكر أن أهمية الحكم المرتقب ليس فقط حل أزمة سياسية حالية تعصف بالبلاد بين أطراف مختلفة، بل هو سيكون حجة وسند بالمستقبل فيما يخص المراسيم التي تصدر بغيبة مجلس الأمة.
وبالاستناد للنظام الدستوري الكويتي، وللتفسير السليم للمادة 71 من الدستور، والمبادئ الدستورية الراسخة، نعتقد بأنه لابد من شمول حكم المحكمة الدستوريه للحيثيات والأسباب التالية:
من المقرر  إن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية وتباشره في إطار وظيفتها الأصلية ويتولاها مجلس الأمة طبقا لأحكام الدستور، إلا أنه نظرًا لما قد يعرض للأمة من الظروف والطوارئ والأحداث ما يستوجب إجراءً سريعًا وتشريعًا عاجلاً، تتطلب مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور للأمير في تلك الحالات أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون، وأنه لما كان هذا الاستثناء هو حق خارج عن الأصل، وحكم الاستثناء لا يقبل التوسع فيه ولا يصح القياس عليه، إذ التوسع أو القياس قد يهدم الأصل المستثنى منه، لذا فقد حرص الدستور على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والحدود ما يكفل عدم إهدار سلطة الأمة أو جعل السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما يقتضيه مبدأ فصل السلطات، أو سلطة طليقة بلا قيد عليها أو عاصم. 
وحيث أن المستفاد من نص المادة 71 أن الدستور وأن جعل لأمير البلاد اختصاصًا في إصدار مراسيم بقوانين تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الأمة، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودًا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلّق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بما قد يصدر من قواعد قانونية استنادًا إليه.. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الأمة غائبًا “منحل أو في فتره إجازته” وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوّغ لأمير البلاد سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الأمة، باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذا الاستثناء وعلة تقريره. 
وإذا كان الدستور يتطلّب هذيّن الشرطيّن لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فإن رقابة المحكمة الدستورية وبما لها من أختصاص وفقًا لقانون إنشائها تمتد إليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، كما تمتد هذه الرقابة أيضًا إلى التحقق من سلامة الإجراءات واحترام المواعيد التي تطلبها الدستور في عرض تلك المراسيم على مجلس الأمة للنظر في إقرارها أو علاج آثارها، وذلك حتى لا يتحوّل هذا الاختصاص التشريعي الاستثنائي إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.
لما كان ذلك، وكان البين من المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، أنه ارتكن في إصداره علي المادة 71 من الدستور حال غياب مجلس الأمة، وكانت الأسباب التي دفعت  الحكومه في إصداره تتمثل فيما أوردته من أنه: “… ومن خلال الممارسة الفعلية للانتخابات البرلمانية للفصول التي أجريت فيها الانتخابات وفق القانون رقم 42 لسنة 2006 برز العديد من السلبيات والمثالب المتعلقة بالعملية الانتخابية التي هددت وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، الأمر الذي استوجب إعادة النظر في هذه المادة لمعالجة أوجه القصور والسلبيات التي تشوبها، للحد من آثارها والارتقاء بالممارسة البرلمانية لتحقيق الغايات الوطنية المنشودة وأهمها تحقيق المشاركة الفعالة لجميع أبناء الوطن في إدارة شؤون البلاد وبما يحافظ على وحدة الوطن والقضاء على أمراض العصبية الفئوية ومظاهرة الاستقطاب الطائفي والقبلي التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية وتؤدي إلى فرقة المجتمع وتفتيته وتخل بتمثيل البرلمان للأمة تمثيلا صحيحًا.
وبعد الدراسة المتأنية والعميقة وتحقيقًا للمصلحة الوطنية استقر الرأي على تعديل نص المادة الثانية من القانون على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته في الدائرة المقيد بها، لمرشح واحد فقط…”.
فوفقًا للأسباب السابقة، وإن جاز أن تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقًا لإصلاح مرتجى، إلا انه لا تتحقق بها الضوابط والشروط المقررة في الفقرة الأولى من المادة 71 من الدستور، ذلك أن تلك الحجج والأسباب – تفيد أنه لم يطرأ أو ينشأ – خلال غيبة مجلس الأمّة – ظرف معيّن يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التي تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لأمير البلاد بمقتضى المادة 71 المشار إليها، بل أكدت المذكرة الإيضاحية أن سبب صدور هذا المرسوم هو وقائع وظروف نشأت من تطبيق قانون سابق كان للحكومه فرصة متاحة لمعالجتها وفقًا للأوضاع العادية لتعديل القوانين، ومن ثم فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012- إذ صدر استنادًا إلى هذه المادة، وعلى خلاف الضوابط المقررة فيها، يكون مشوبًا بمخالفة الدستور.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم قوله إن مجلس الأمّة وقد أقر المرسوم بقانون المطعون فيه، فإنه بذلك يكون قد طهره مما شابه من عيوب دستورية، ذلك أن إقرار مجلس الأمة له لا يترتب عليه سوى مجرّد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كمرسوم بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره.. كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار في ذاته أن ينقلب به المرسوم بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعيّن أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد.
وأيضًا لا صحة لما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لإصدار المراسيم بقوانين عملًا بالمادة 71 من الدستور متروك لأمير البلاد وحده تحت رقابة مجلس الأمة، باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التي لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه كان للأمير سلطة التشريع الاستثنائية طبقاً للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الأمة، إلا أن ذلك لا يعني إطلاق هذه السلطة في إصدار مراسيم بقوانين دون التقيّد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور.
المحامي الدكتور/ خالد فلاح الكفيفة