كتاب سبر

دستور جديد مستمد من الشريعة

 التحاكم إلى دين الله قضية غير قابلة للنقاش لأن الأوامر الشرعية بها جاءت واضحة غير قابلة للتحريف…يقول تعالى:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} .
يقول العلّامة السعدي:
(أي: لا ينبغي ولا يليق، ممن اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة {إذا قضى الله ورسوله أمرا} من الأمور، وحتما به وألزما به {أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابا بينه وبين أمر الله ورسوله).
نحن في الكويت-مع الأسف- خالفنا أمر الله بسن القوانين الوضعية ووضع دستور-على حين غفلة من الناس-فيه ما فيه من المخالفات الشرعية ولم يستقر لنا أمر بعد هذا الدستور فبتنا نخرج من مشكلة لنقع في أخرى لأنه لم يأتِ بما يتوافق مع رغبة الأغلبية الساحقة من الشعب والقوانين التي لا تراعي الأغلبية الساحقة ودينها لن يجني منها الشعب سوى الإختلاف والاضطراب…يقول الخبير الدستوري د.عبدالقادر عودة :(الأصل في القوانين الوضعية أنها توضع لسد حاجة الجماعة ولتنظيمها وحماية نظامها ونشر الطمأنينة والسلام بين أفرادها، ومن أهم حاجات الجماعة حماية عقائدها ومشاعرها ونظامها، وفي البلاد الإسلامية يقوم نظام الجماعة على الإسلام، وتقوم عقائد الكثرة على الإسلام، فكان من الطبيعي أن تجيء القوانين مطابقة للشريعة الإسلامية تمام المطابقة، ولكن القوانين لم تجيء كذلك وإنما جاءت كما رأينا مخالفة للشريعة، فخرجت القوانين بهذا لا على الشريعة فقط وإنما على الأصول التي يجب أن تقوم عليها القوانين والأغراض التي توضع من أجلها القوانين فهي قوانين لا تقوم على أصل معروف ولا تستهدف غرضا مشروعا)…ويقول:(إذا استطعنا أن نعرف شيئا من حقائق الإسلام وأحكامه سهل علينا أن نعرف كيف أن القوانين التي توضع في أوروبا لإسعاد الجماعة ونشر الطمأنينة والسلام بين أفرادها، إنما هي في البلاد الإسلامية العامل الأول في إيلام الجماعة والإساءة إلى مشاعرهم وإيغار صدورهم، وهي العامل الأول في عدم رضاء الأكثرية عن هذه القوانين، بل هي العامل الأول الذي يدعو للفتنة ويهيئ للفوضى)…ويقول:(نقل «القوانين الوضعية» إلى البلاد الإسلامية يخرج بها عن وظيفتها، ويؤدي إلى إثارة النفوس والإساءة إلى الشعور العام، ويجعل من هذه القوانين أداة صالحة لبعث الفتن ووسيلة ناجحة لنشر الفوضى والاضطراب).
فالدعوة التي يُنادى بها الآن لصياغة دستور جديد فرصة ثمينة لكل غيور على دينه أن يجنّب البلاد والعباد الأخطاء التي وقعنا بها سابقاً وذلك بصياغة دستور مستمد من شريعتنا الغرّاء التي شهد لها كل منصف على اختلاف مللهم ونحلهم…يقول الخبير الدستوري وإمام فقهاء القانون المعاصرين د.عبدالرزاق السنهوري:(لقد أعطى الإسلام للعالم شريعة هي أرسخ الشرائع ثباتاً…وهي تفوق الشرائع الأوربيّة…وإنّ استقاء تشريعنا المعاصر من الشريعة الإسلامية هو المتسق مع تقاليدنا القانونية…إنها تراثنا التشريعي العظيم…وبها يتحقق استقلالنا في الفقه والقضاء والتشريع…إنها النور الذي نستطيع أن نضيء به جوانب ثقافتنا العالميّة في القانون…لقد اعترف الغريب بفضلها…فلماذا ننكره نحن؟! وما بالنا نترك كنوز هذه الشريعة مغمورة في بطون الكتب الصفراء ونتطفّل على موائد الغير ،نتسقط فضلات الطعام)…ويقول :(الإسلام دين ومدنيّة…والمدنيّة الإسلامية أكثر تهذيباً من المدنيّة الأوربيّة…والرابطة الإسلامية هي المدينة الإسلامية…وأساسها الشريعة الإسلامية…وأمتنا أمة ذات مدنيّة أصيلة…وليست الأمة الطفيليّة التي ترقّع لمدنيّتها ثوبا من فضلات الأقمشة التي يُلقيها الخياطون)…؟!
ويقول الخبير الدستوري د.عبدالقادر عودة في معرض تدليله على أفضلية الشريعة الإسلامية على غيرها:(وتمتاز الشريعة الإسلامية عن القانون الوضعي، بأنها مزجب بين الدين والدنيا، وشرعت للدنيا والآخرة وهذا هو السبب الوحيد الذي يحمل المسلمين على طاعتها في السر والعلن، والسراء والضراء لأنهم لا يؤمنون – طبقا لأحكام الشريعة – بأن الطاعة نوع من العبادة يقربهم إلى الله، وأنهم يثابون على هذه الطاعة، ومن استطاع منهم أن يرتكب جريمة، ويتفادى العقاب فإنه لا يرتكبها مخافة العقاب الأخروي، وغضب الله عليه، وكل ذلك مما يدعو إلى قلة الجرائم وحفظ الأمن، وصيانة نظام الجماعة بعكس الحال في القوانين الوضعية فإنها ليس لها في نفوس من تطبق عليهم ما يحملهم على طاعتها، وهم لا يطيعونها إلا بقدر ما يخشون من الوقوع تحت طائلتها، ومن استطاع أن يرتكب جريمة ما – وهو آمن من سطوة القانون – فليس ثمة ما يمنعه من ارتكابها من خلق أودين ولذلك تزداد الجرائم زيادة مطردة في البلاد التي تطبق القوانين، وتضعف الأخلاق، ويكثر المجرمون في الطبقات المستنيرة تبعا لزيادة الفساد الخلقي في هذه الطبقات، ولمقدرة أفرادها على التهرب من سلطان القانون).
ولا أتصور لمعرفتي بالشعب الكويتي أن الشعب الكويتي بأغلبيته الساحقة يرفض تطبيق الشريعة وصياغة دستور جديد مستمد منها…إلا قلّة منقسمة إلى أقسام قسم يردد كلامًا ولا يعرف حقيقته حق المعرفة كمن يقول بأن الشريعة لا تصلح لهذا الزمان وهؤلاء هم الذين عناهم الخبير الدستوري د.عبدالقادر عودة بقوله:(قد تبين لي – كما سيتبين للقارئ – من دراسة الشريعة أن القائلين بأن الشريعة لا تصلح للعصر الحاضر لا يبنون رأيهم على دراسة علمية أو حجج منطقية، لأن الدراسة العلمية والمنطق يقتضيان القول بتفوق الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية، وبصلاحية الشريعة لهذا العصر ولما سيتلوه من عصور.
وفوق هذا؛ فالقائلون بعدم صلاحية الشريعة للعصر الحاضر فريقان: فريق لم يدرس الشريعة ولا القانون، وفريق درس القانون دون الشريعة. وكلا الفريقين ليس أهلا للحكم على الشريعة لأنه يجهل أحكامها جهلا مطبقا، ومن جهل شيئا لا يصلح للحكم عليه).
وقسم يكره الشريعة لفساده فكريّا وخُلُقيًّا ويفضّل القوانين الوضعية لأنها تُضفي على فساده وانحرافه غطاء الحريّة الشخصية الذي يخفف عليه آلام شذوذه ومقت المجتمع له ولأمثاله وأمثال هؤلاء داخلون في عداد من قال الله عنهم في كتابه:{وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}.
يقول سيد قطب:(والآية تصف واقعة حال على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- حين كان المشركون يهشون ويبشون إذا ذكرت آلهتهم وينقبضون وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد. ولكنها تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان. فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلها، وإلى شريعة الله وحدها قانونا، وإلى منهج الله وحده نظاما. حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد. هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجا منهم في هذه الآية، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان. هم الممسوخو الفطرة، المنحرفو الطبيعة، الضالون المضلون، مهما تنوعت البيئات والأزمنة، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام).
وأمثال هؤلاء لا يُأبه لهم ولا عبرة بشذوذهم فمن يعاديك لدينك لا يمكنك ارضاءه إلا بالإنسلاخ منه وهذا الذي يرفضه الأغلبية الساحقة من الشعب الكويتي المتعطّشة لتحكيم شرع الله والتي أثبتت رغبتها بتحكيم الشريعة في كل مناسبة مؤاتية ولم تتخاذل يوماً وتنكل عن الصدع برغبتها أن ترى شرع الله هو الذي يظلل العباد والبلاد بعدله وسماحته.
ملاحظة: نقلي عن بعض الأسماء المذكورة في المقال لا يعني موافقتهم في كل ما يذهبون إليه من آراء…وإنما نقلت عنهم لموافقتهم الحق تارة وتارة لأن ما نُقل هو من صميم تخصصهم.
تويتر:a_do5y

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.