كتاب سبر

الحكمة تحلق فوق أوسلو

في ظلّ تمسّك الطُغاة بكراسيهم المذهّبة حتى الموت والرمق الأخير من عهودهم المظلمة، ارتأى رئيس حكومة النرويج “ينس شتولتنبرغ” أن يستبدل كرسي الحكم بكرسي الحكمة.. ليكون سائقاً بالأجرة لمدة يوم كامل يسمع فيه آراء الناس به بتجرّد، ويعرف بالضبط عن ماذا يتكلمون في السياسة التي ينتهجها.. متخذاً في هذه الخطوه شعاراً خفيفاً خفياً أثناء نقل ركابه إلى وجهاتهم هو :  (كيف ترى قيادتي) ؟
وهي العبارة التي طالما كتبتها المؤسسات التعليمية، وشركات النقل العام والمواصلات، والشركات العالمية العملاقه،  لتتلقى ردود فعل الشارع حول لباقة وفنيات قائدي المركبات الخاصه بها.. استخدمها السيد “ينس شتولتنبرغ” بنفسه ، ولم ينتظر ردود فعل الشارع على رقم هاتف مطبوع على خلفية المركبة مُذيل بِـ “للشكاوى والإقتراحات” بل نزل بكامل قيافته وحُلتِه وفخامته، ليعرف كيف يرى الشعب قيادته ويسمع ويرى انتقاداته بأم أذنيه وعينيه دون “فلترة” نديم، أو تدليس مستشار، أو تزوير وتأويل من قِبل وزير، ودون عبارات “بتوجيهاتكم سيدي.. الشعب يفرح بكم.. الألسن تلهج بالدعاء لمقامكم.. والقلوب تنبض بحب سموكم” النرويجي نزل ليسمع ويرى أخطاءه مباشرة، ليعرف كيف  يحكم مباشرة !
تخيلوا لو أن الفكرة “كبُرت” في رأس أحد الطُغاة؟ .. فوراً ستجد أجهزة المباحث والاستخبارات  والأمن ومؤسسة القصر.. تتسارع لتنفيذ شارع جديد معبّد تماماً بعشرة مسارات، ثم يفرغونه من المركبات والركاب.. ولتنطلي الحيلة المتفق عليها مسبقاً على الطاغي الإنمعه، سيضعون في طريقه كــ”إكسسوار” تسعة أو عشرة ركّاب مؤلفين من رتب متوسطة وكبيرة بالأجهزه السرية، يرتدون لباساً مدنياً مهمتهم أن يصعدوا مع الطاغيه ليمتدحوا عدله، وحكمته ، وقوة بصيرته، وسواقته، وفرامل سيارته، وكفاءة مكيّفه ، ورائحة فرش مقاعده الأماميه والخلفيه، ثم يغرقوه بالرضا “المبستر” ،وينحنوا له حتى يتوارى عن الأنظار.. ثم يأخذوا الإجازات المجزية كمكافأة على “أداء الدور الوطني” .. وبعد أن “يختتم الطاغيه جولته الديمقراطية” ويطفىء مركبته أمام قصره،  ينتشي كثيراً  كالأبله، فيعيد شحن ثقته الأراجوزيه بنفسه من جديد، ليقرر نزولاً عند رغبة الشعب أن يحكمهم قرناً آخر..