كتاب سبر

كتابة الدستور المصري

لا يمكن أبدًا كتابة دستور جديد يليق بالشعب المصري، وأعضاء لجنة الخمسين المنوط بهم هذا الأمر مشغولون بقضاياهم الخاصة، ويبدو أن البعض منهم ليس متخيلًا أنه يمثل الشعب كله ولا يمثل فقط منظمته أو نقابته أو هيئته أو اتحاده أو حتى فلاحيه، ولا يمكن أبدًا كتابة دستور جديد يليق بالشعب وبعض أعضائه يتفرغون لبرامج التوك شو الليلية.. وينتقل من برنامج إلى برنامج يثرثر فى أى شىء ويقدم أفكارا غير ناضجة، ربما يثير الجدل والبلبلة بها بدلا من أن يبحث ويطلع على الدساتير سواء فى التاريخ المصرى أو فى دول أخرى وتجاربها فى كتابة الدساتير أو الجلوس إلى شخصيات قانونية أو دستورية أو متخصصة فى مجال ما يمكنه الاستفادة منه، خصوصا أن عددا ليس بالقليل من الخمسين -مع احترامنا لهم- لا علاقة لهم لا بالدستور أو القانون.. أو حتى بالسياسة أصلا.
وعليهم أن يعوا جيدا أن الشعب يأمل فى دستور يختلف عن دستور الإخوان الطائفى.. ومن ثم عليهم البحث والدراسة بشكل يحتاج إلى المزيد من الوقت والحضور، وأن يتعلموا من دول خرجت من النظم الاستبدادية والفاشية.. وانطلقت إلى مجتمع الدول المتقدمة بفضل دساتير استطاعت أن تحمى المواطن، وإنه لا يمكن أن يكون هناك دستور من دون التأكيد على المواطنة التى تلاعب بها الجميع.. تلاعب بها مبارك فى نظامه الاستبدادى، وتلاعب بها الإخوان فى نظامهم الفاشى.
وإنه لن يكون هناك دستور دون التأكيد على الحريات العامة وحرية التعبير.. وحرية الاعتقاد، فهذه مقومات المجتمع المدنى الحديث، ولا حاجة إلى لت وعجن فى ذلك.. ويمكن الاستفادة مما فعلته بعض الدول فى ذلك الأمر بالتأكيد على حق المواطن المطلق فى تلك الحريات.. كذا الأمر فى حرية الصحافة والإعلام، فكل ذلك ليس فى حاجة إلى تفاصيل، ولت وعجن وإرجاع إلى قوانين لم تصدر، فى حين أن الدستور هو أبو القوانين.. فيجب مراعاة ذلك.
الأمر أيضًا فى استقلال القضاء.. فليست هناك حاجة إلا التأكيد على استقلال القضاء.. والنص على ذلك بشكل واضح.. وبعد ذلك تأتى القوانين من الشرع، والتى تراعى هذا النص وتوفر له مقوماته بما فى ذلك الهيئات القضائية كلها، ومن ثم ليس هناك من داعٍ إلى ذكر القضاء العادى أو مجلس الدولة أو النيابة الإدارية أو حتى هيئة قضايا الدولة.. فيكفى التأكيد على استقلال القضاء.. وحتى يلتزم المشرع بذلك، وكذلك رقابة المحكمة الدستورية على القوانين وإرجاعها إلى الدستور.. ومن هنا لا بد من أن تكون مواد الدستور واضحة ومختصرة وفى صميم الموضوع من دون لف أو دوران أو مجاملة جماعة أو أشخاص أو هيئات على حق الوطن والمواطنين ومستقبل الأمة، فلن يحدث ذلك إلا بتفرغ الأعضاء والاهتمام بكل الأمور والاستماع أكثر إلى الآراء المختلفة.. والاطلاع على دساتير الدول المتقدمة.
فالمصريون ليسوا أقل من شعوب الأرض التى تحترم إدارة دولهم مواطنيها وتقدرهم، فالمصريون شعب معلم.. والمصريون قدموا دروسا للعالم فى مناهضة الاستبداد والفاشية.. ولا يزالون يقدمون التضحيات من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية وبناء دولة عصرية، ولن يسمحوا بأن يخرج دستورنا مهلهلًا كالدساتير السابقة.. فيا أيها الذين فى «الخمسين»، اجتهدوا واحرصوا على حق الشعب فى دستور الحرية والكرامة والدولة الحديثة.. وتفرغوا لمهمتكم القومية.
بقلم.. إبراهيم منصور