كتاب سبر

“الألقاب لا تعصم حامليها”

قبل أسبوع كنت أتصفّح التويتر، فقرأت تغريدة لأحد المغردين يبيّن فيها فضل قيام الليل، ويوصى نفسه وغيره بالمحافظة على هذه الطاعة العظيمة والتي هي شرف المؤمن الذي لا بد له من المحافظة عليه، ثم قرأت لنفس المغرّد تغريدة  يطعن فيها على إخوته المسلمين، أشد طعن وأشنعه، ويسميهم بإخوان الشياطين، فيالله ويا للمسلمين كيف دخل هذا الخلط على هذا وأمثاله من أبناء الإسلام؟
إنني أظن أن هذا المغرّد لا يجهل حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور بتعريف المسلم بأن “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.. فمن أين جاء هذا التخليط لصاحب هذا القلب، ليجمع في قلبه هذا الأمر بالمعروف وهذا القول بالمنكر؟.. ولم يطُل بي الأمر في تأكيد معرفتي بمصدر هذا التخليط، إذ إنني حضرت مجلسًا وتكلمت فيه مستنكرًا هذا الأمر وهذا التخليط، فابتدرني أحدهم مؤيدًا كلام المغرد في الطعن يقول: لماذا تستنكر ذلك؟ إن فلانًا وفلانًا وفلانًا من المشايخ يطعنون على عقيدة هذه الجماعة، وعندهم من الدليل ما يؤيد كلامهم، ثم راح يسهب في بيان صحة كلامه بما يستدل به من كلام هؤلاء.
إنني أعجب لهؤلاء العوام كيف يسمعون للقاعد حين يتكلم في المجاهد، أو للخامل حين يتكلم في العامل، أو لمن كان بين أرجاء قصره يتكلم فيمن كان حبيس زنزانته؟ وإنني لا أعلم أي معنىً لاحتجاج بعضهم بأن الشيخ فلان يزكي الجماعة الفلانية أو يطعن على الجماعة الفلانية، وجعل هذا القول أو الفتوى حجة بالغة على العالمين؟
يا أخانا إن تزكية الجماعة تثبت بعملها لا بتزكية فلان لها، إن الجماعة حين تثبت وجودها بامتدادها، وتقديم الأرواح والدماء خالصة لمبادئها، لن يُعتد بعد كل ذلك بموافقة أو مخالفة فلان لها.. إن مثل هؤلاء المشايخ أو العلّامات في تزكيتهم أو طعنهم كمثل حائزٍ على شهادة تكريم وزارية ثم يقوم بتزكية أو الطعن على حائزٍ لشهادة عالمية.. أترون لهذا يُسمع لتزكيته أو لطعنه؟
إن كثيرًا من عوام المسلمين قد ألغى عقله وربط حبله بألقاب هؤلاء، ولن يقطع مثل هذا الحبل إلا مثل هذا التساقط الذي نراه اليوم بين من طال عليهم الأمد يَغْشَون  – أرجو أن يقرأها المتسقط صحيحةً – عقول العامة بألقابهم، إن من يساوي بين هؤلاء وهؤلاء أو يسمع لطعن هؤلاء في هؤلاء، إنما هو أحد اثنين: جاهل غافلٌ، أو حاسدٌ حاقد.
إن الأمة حين يفشو فيها مثل ذلك، أعني طاعن قاعدها بمجاهدها وخاملها بعاملها، فأعلم أنها تمر بمرحلة تمحيص يريد الله به أن يبين فضل المطعون به على الطاعن، وحقيقة الحق من بطلان الباطل، وإسقاط ما لا بد من إسقاطه للتحرر من”سجن الفكرة، وإرهاب اللقب” لتكوين قاعدة الريادة.
وهذا ما تتكشّف عنه حوادث الربيع العربي هذه الأيام، والذي ليس هو فقط إيذاناً بانتهاء حكم الفرد، بل كذلك إيذانًا بإلغاء ثقافة تقديس قول الفرد التي طالما قام عليها حكم الفرد.