كتاب سبر

قناعة اللصوص كنز لا يفنى!

مثيرة للضحك المسبب للسعال الشديد صورة ذلك اللص الصغير الذي أراد أن يتشبه بالكبار من اللصوص لأنه لم يستطع أن يكون مثلهم والتشبه بالكبار فلاحُ في مهنة اللصوصية ، فاتّجه لأقرب بقالة كيلا يخرج من مولد السرقات التي تعج بها البلاد منذ فترة الغزو بدون حمّص ، حتى ولو كانت السرقة لا تشبع ولا تغني من جوع ولكنها قناعة اللصوص ياسادة !.
أنواع متعددة من الكاكاو وبيبسي وسفن أب ومياه معدنية وعصائر وفطيرة وباكيت زقاير ورجل يجلس على أريكة منكساً رأسه وخلفه لوحة كتب عليها مديرية أمن حولي ، كانت هذه هي محتويات الصورة سالفة الذكر للّص الخطير الذي كان يهدد أمن البلاد والعباد والذي كان يعيث في الأرض فساداً والذي تحلى بخلق القناعة والذي نادراً ما يتحلى به اللصوص لا سيما من أبناء بلدي والذين لو كان لأحدهم واديان من ذهب “لسرق” الثالث .
تلك الصورة عندما تنظر إليها للوهلة الأولى وأنت غريب عن البلد وأحواله المتردية ينتابك شعور رائع بأن يد القانون تطبق على الصغير والكبير وعلى الشريف والضعيف وعلى سارق الكاكاو وسارق الناقلات فالكل سواسية أمام القانون وأنه مادام سارق الكاكاو قد تم التشهير به في الصحف فمن باب أولى أن من سرق الملايين قد تم تعليق جثٌته على أعمدة الإنارة .
ولكن اسمح لي أن أقول لك : لا ياعزيزي ! ما كانش يتعزّ ! ، فتلك الصورة في حقيقة الأمر ليست إلا انعكاساً لواقع بلدٍ إذا سرق فيه الشريف تركوه وإذا سرق فيه الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، توضع فيه صورة لصوص “البقالات” في الصفحات الأمنية في الصحف وتوضع فيه صور لصوص “الناقلات” في الصفحات الأولى للصحف ، يلبس فيه اللص الصغير بدلة رياضية تعينه على الجري هرباً من قبضة رجال الشرطة ، بينما يلبس فيه اللص الكبير أفخم أنواع البشوت .
الشيء الإيجابي الوحيد الذي أراد أن يعلمنا إياه ذلك اللص الصغير سارق البقالة هو القناعة والتي لو تحلّى بها جميع لصوص البلد لعاشوا هم بالحرام وتركوا غيرهم من أبناء البلد يعيش حياة كريمة بالحلال ، ولأنه “لو كل من جاء ونجر ما ظلّ في الوادي شجر” فدعونا نستمتع قليلاً بأشجار بلادنا رحمكم الله.