كتاب سبر

جعلوني مجرماً !

لا أعلم لماذا مع كل جريمة تُرتكب ويكون المتهم فيها من البدون إلا ويشهر البعض لسانه ويحدّ سنانه وكأنه قد تحصّل على فرصة كان ينتظرها منذ فترة وهاهي قد أينعت وحان قطافها لينهال بكل ما أوتي من بشاعة على البدون ويصفهم بما ليس فيهم وأنهم المسؤولون عن كل الخراب الحاصل في البلد بل ربما في العالم أجمع بدءاً من قنبلة هيروشيما وناغازاكي وانتهاءً بثقب طبقة الأوزون ولا يهون الاحتباس الحراري وما استاد جابر عنّا ببعيد ! .
جريمة في الأفنيوس وبعدها بعام جريمة في المارينا ثم تلتها بأسابيع جريمة في الرحاب كان المتهمون فيها جميعهم من البدون وقد شُهّر ببعضهم في الصحف حتى قبل أن تثبت الإدانة وهو ما لم يحصل مع أي مواطن كويتي من قبل وكأن المواطن الكويتي بريء حتى تثبت إدانته والبدون مُدان حتى تثبت براءته إذ لا بواكي له .
لا ينكر أي عاقل منصف أن فئة البدون رغم كل الدوافع التي تدفع شبابها للانحراف قسراً تبقى هي الأكثر سلمية والأكثر اتباعاً للقوانين والأكثر مشياً بجانب الحيط ! ، والأقل ارتكاباً للجرائم مقارنة مع جميع مكونات المجتمع من مواطنين ووافدين رغم ما ذكرته ابتداء من مقومات تؤزهم إلى الانحراف أزّاً كالبطالة والفقر والحرمان من أبسط الحقوق وضحالة التعليم والشعور بالاحتقار من المجتمع مما يولّد لديهم رغبة في الانتقام ولولا بقية من إيمان ووعي ووازع ديني مع تمسك بعادات وتقاليد و”سلوم” قلّ نظيرها لاتّجه كثير منهم نحو هاوية الانحراف مبتعدين عن جادة الصواب. .
أنت يا من تطلق لسانك في أعراض البدون مع كل جريمة يُتّهم فيها بدون ، هل سألت نفسك يوماً ماذا عساه أن يفعل شاب بلغ الثلاثين من العمر وهو بلا وظيفة وبلا زوجة وبلا أولاد وبلا مستقبل بل وربما بلا طموح وبلا حلم ، يهيم على وجهه في الطرقات هرباً من بيت لاشيء أضيق منه سوى القبور وصدور العفون من الناس ! ، لا يحمل في جيبه ديناراً واحد حين تصرف أنت الدنانير على أبواب المطاعم الفارهة ، ولا يسمح له بالعمل في بلد تسمح لجميع الجنسيات بالعمل إلا البدون ويصل خيرها للشرق والغرب لكنه لا يعرف طريق المرور بتيماء والصليبية ، يرى قصص الحزن وروايات العذاب كل يوم في شيبات عجوزه وتجاعيد والده وأحلام إخوته التي هي رغم بساطتها غير قابلة لأن تصير واقعاً ، ماذا يفعل بالله عليك لو لم يتحلّ بالإيمان والصبر ؟! ماذا يفعل ؟! أترك الجواب لضميرك النائم بعد أن توقظه ! .
نحن شعوب اعتدنا منذ الأزل على صناعة طواغيتنا بأيدينا ، وعلى صناعة أبطالنا الوهميين بأيدينا ، وعلى صناعة المجرمين أيضاً بأيدينا وذلك حين نرمي أحدهم في بحر الحرمان مكتوفاً ونقول له : إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماءِ ! ، لذلك اعلم بأنك لست إلا أمام جيل من البدون لا زال يردعه إيمان وصبر وعيب ، ولعلّ هذه الثلاثة لا تكون متواجدة في الأجيال القادمة وحينها سيحقّ لكلّ مجرم في ذلك الجيل من البدون أن يقول وبالفم المليان : جعلوني مجرماً .