كتاب سبر

رفقاً بالإنسان أوّلاً !

في القناة الأولى للتلفزيون الرسمي للدولة تستضاف فتاة لتتحدث عن حملة جمع تواقيع في أحد المجمّعات التجارية الكبيرة لسنّ قانون يجرّم التعدّي على حقوق الحيوان مستذكرة بعض قصص التعذيب التي تتعرض لها الحيوانات وخصوصاً الكلاب – أجلكم الله – في سوق “الجمعة” في ظلّ تأثر واضح من مقدمي البرنامج والذين ختموا تلك الفقرة بالشكر لها والسعادة التي تنتابهم لوجود فتاة كويتية تهتم بمثل هذا الموضوع .
عند تلك الـ (.) انتهت قصّة مضحكة جديرة بالسخرية والتندر منها ، وابتدأت قصة معاناة لآلاف من البدون على هذه الأرض لايجدون من ينتصر لهم ويطالب بإنصافهم إلا من قبل فئة قليلة من أبناء وطنهم ، في حين يتفرغ التلفزيون الرسمي للدولة للحديث عن حقوق الحيوانات واستضافة ناشطين في هذا الموضوع ، علماً بأن التلفزيون الرسمي لا يسلّط الضوء أبداً على قضية البدون وحجم المأساة التي يعيشونها إلا من خلال نظرة الجهاز المركزي والذي يمثل النظرة الحكومية الظالمة تجاه البدون .
كلما مرت السنين وتعقدت قضية البدون أكثر وأكثر كلّما صُدمنا أكثر بفئة ليست قليلة من الشعب تقف حجر عثرة في طريق حلّ هذه القضية الشائكة إلى جانب عدم الرغبة الحكومية الجادّة في حل القضية أساساً ، فالشعب بين “ضيّق عين” يظن أنه لن يجد له “لقمة عيش” لو تم إعطاء البدون حقوقهم ، وبين عنصري بغيض يعتقد يقيناً بأن “الله خلق وفرق” فكيف يستوي الأوّلون مع الآخرين ، وبين “جاهلٍ” بأصل القضية ابتداءً يردّد ليل نهار “مو ناقصهم شيء” وبين من لا يريد حتى الالتفات لهذه الفئة ولا الاعتراف بآدميتها بل يفضّل الانشغال بماهو أهم منها في نظره كالفتاة سالفة الذكر ضيفة التلفزيون الرسمي ، وبين كل هذه الأنواع من الشعب – هداهم الله – تبقى قضية البدون في محلّها تحاول ألا تتراجع إلى الخلف على الأقل فالتقدم إلى الأمام صار شبه مستحيل ووحدها أعمار أصحاب القضية هي التي تتقدم وتزداد لتنذر بفناء جيل وقدوم جيل جديد لن يكون كسابقه إطلاقاً في الوداعة واللطف .
يحزنهم منظر أربعة كلاب في قفص واحد ، ولايحزنهم منظر العشرات من البشر فيما يسمى مجازاً ببيت شعبي غلفته الصفائح ونظام النوم فيه “شفتات” ! ، يحزنهم منظر صراع الحيوانات بعضها مع بعض ولا يحزنهم منظر آلاف من البشر بعضهم يصارع الفقر ليل نهار وبعضهم يصارع وساوس الشيطان ودعوته للانحراف كل حين وبعضهم يصارع رغبة الانتحار في داخله مستغفراً ربه كل ساعة ، وبعضهم يصارع نظرات الاحتقار التي تأتيه من طرف خفيّ إن غادر بيئته ومجتمعه ! .
إن بلاداً يوجد فيها من لا يمتلك شهادة ميلاد ويوجد فيها أطفال يمنعون من التعليم وفقراء يمنعون من الزكاة ولا تتحصل فيها على عقود الزواج والطلاق وشهاداة الوفاة إلا بشقّ الأنفس ولا يسمح لك فيها بالعمل لتسد جوعك ويعامل فيها الأطفال الذين يبيعون “السيديات” و “الرقي” على الأرصفة كمعاملة بائعي المحرّمات ؛ لا يحق لأحدٍ فيها كائناً من كان التحدّث عن حقوق الحيوان ، بل إن الحيوانات نفسها لن تقبل بمن هذا وصفه أن يكون مطالباً بحقوقها في حين أنه يهمل حقوق أبناء جلدته … وسلامي للقناة الأولى .
‏منصور الغايب
@Mansour_m