كتاب سبر

استثمرنا بالحجر.. وتناسينا البشر

لكل مشروع ناجح دراسة ناجحة وجدوى اقتصادية متميزة، ولا بأس أن تبحث وتفتّش الدول عن الاستثمارات الناجحة أو حتي المتعثّرة في مكان ما ولظروف ما، حتي تجني بعد ذلك المكاسب المرجوّة، فهنا يكمن النجاح في تصيّد الفرص. 
أما إن كان المقصود هو بعثرة الحلال هنا وهناك والجدوى الاقتصادية ركيكة والتدقيق المحاسبي مفقود وغياب للشفافية يجعل للشكوك والظنون أن تلعب في عبّنا، فهذا مرفوض تمامًا إن كان أحد يسمع صوتنا أو يهتم بنّا وبرفضنا لمثل هذه المغامرات الغير محسوبة المخاطر. 
“الكويت مقبلة علي أكبر صفقه عقارية في تاريخ بريطانيا”.. هذا هو العنوان الرئيسي لأغلب الصحف العالمية، لعرض شراء مقر عمدة لندن، وقد تكون هذه فقاعة كبيرة ستنفجر فضائحها قريبًا كما انفجر غيرها وكما سينفجر بعدها وكما انفجرت مرارة هذا الشعب من كثرة الهدر والفساد المالي المتتالي والذي لم ولن يجد من يردعه ما دام حنفية حقل برقان مفتوحة وعدادها خربان.
 
هل هناك صفقات سياسية مع هذه الدول أو شراء ولاءاتها المبنية علي المصالح أم توزيع الثروة علي القوى العظمى القائمة على حمايتنا أم ماذا يرحمكم الله. 
أما كان من الأولى مثلًا  شراء بعض المستشفيات التي يعالج بها مرضانا هناك ليصبح دهنّا في مكبّتنا، بدلًا من هدر مئات الملايين علي العلاج في الخارج، أم كان من الأولى ضخّ هذه الأرقام الكبيرة لمشاريع داخل الوطن يستفيد منها الشعب.. أم أن هناك أسرار لا نعلمها، وعلينا أن نخرس تمامًا عندما لا نستطيع أن نعمّر بلادنا ونستثمر بها، فالأولى أن لا نفسفس ثرواتنا التي نحمد الله إنه جعلها تحت الأرض، والتي لو كانت حكومتنا الرشيدة قادرة علي شفطها دفعة واحدة، لفعلت بدون تردد.
 
أكثر من ستين سنة ونحن نصدّر البترول وهو شريان الحياة العصرية ولم نصدّر خبراء بترول للعالم، ولم نكن أحد الدول المتقدمة في الصناعات البترولية ومشتقاتها، مجرّد حنفية تذهب للبواخر وتصدّر للخارج وتقبض الأموال لتصرف رواتب ومنشآت متهالكة وتوزيع هبات هنا وهناك وبتسميات مختلفة، مرة قروض لدول ومرة مناقصات وهمية لشركات وهمية، وبالداخل نفخ جيوب قلة قليلة بمناقصات فقاعية ونتائجها كارثية، ونسينا أو تناسينا المواطن البسيط الذي عمّر هذه البلاد وما زال يرزح تحت هم الديون المتراكمة عليه والسبب أخطاء البنك المركزي وتواطؤه مع البنوك ليصبح أسيرًا لها. 
لقد ازدهرت الكويت وأصبحت قبلة العالم في بداية عصر النهضة والاستغلال لمدة عشرين سنة فقط، حتي أصبحنا الآن في خبر كان، عندما أهملت الدوله البشر وعوّدتهم علي الغش والكذب والتدليس وصفّقت لتزويرهم الشهادات العلمية وفرّقتهم مرة طائفيًا ومرة قبليًا، ومرات كثيرة داخل السور وخارجه، وكأن هذا السور مئات الأميال وهو الذي لا يتعدّي سبع كيلو طول وثلاثة بالعرض فبالله عليكم إن كان هذا هو ما زرعته بلادنا، فماذا سيكون الحصاد الذي ستجنيه أجيالنا القادمة التي  دخلت مرحلة الخطر وارتبكت به، فلا تعليم ولا صحة ولا أمن غذائي، والسكن ذهب مع الريح في دهاليز السياسة والكذب والوعود الزائفة.. وعليه ماذا تنتظر أجيالنا القادمة بعد هذا الهدم الممنهج طوال ثلاثين عامًا.
أخذوها مني كاش.. أجيالنا القادمة في خطر وسيصبحون إمّا حرامية أو ورثة حرامية، أما غير ذلك من بقية الشعب المسكين فسيكون لاهيًا ولاهثًا خلف لقمة العيش الحلال التي بدأها بالديون، ولن تنتهي إلا في ذهابه للمقبرة.  
بقلم.. سلطان المهنا العدواني