كتاب سبر

جزنا من العنب ونريد سلتنا

يُروى أن فلاحاً كان له بستان عامر بأشجار “الحمضياتِ”من برتقالٍ وليمون ونحوها، وكان رجلاً طيب القلب وكان له جار فلاّح مثله  له بستان عامر بأنواع الكرومِ ولكنه كان لئيم الطبع خسيساً وبخيلا، وكان الفلاح كثيراً ما يهدي صاحبه البرتقال والليمونِ، أما صاحبه فلم يكن يهديه شيئاً مما تنتجه كرومه من أنواع الأعناب المختلفة. 
وفي ذات يوم قال الفلاح البخيل لصاحبه الكريم : “تره أنت خجلتنا .. وأريد أن أبعث لك شوية عنب وأريد تبعث لي سلة فارغة لأضع العنب فيها” فشكر له صاحبه حسن إلتفافته وعظيم كرمه وأرسل له سلة كانت عنده يقضي بها بعض أشغاله وهو يظن أن صاحبه لن يؤخر إرجاعها له مملوءة عنباً، وبقي ينتظر ذلك أياماً فلم يرسل إليه  صاحبه شيئاً ولم يرجع إليه سلته، فطالبه بإنجاز وعده فماطله واستمهله ومازال يماطله يوماً بعد يوم  حتى أصبح الفلاح الطيب واثقاً أن صاحبه لن يعطيه شيئاً ولن يعيد إليه سلته، فذهب إليه وقال له : “ترى إحنا كل شي ما نريد منك .. جزنا من العنب .. بس نريد سلتنا” وذهب ذلك القول مثلا لمن تتوقع منه الخير فيفاجئك بالشر.
هذا المثل ينطبق على ردة فعل المواطنين الكويتيين على ما ورد في برنامج عمل حكومة الشيخ جابر المبارك الذي قُدم لمجلس الأمة يوم أمس والذي ورد فيه “أن دولة الرفاه التي تعود عليها الكويتيون لن تستمر”. 
خمس سنوات مضت ونحن نسمع الحكومات المتعاقبة تبشرنا بمشاريع التنمية التي سوف تحل جميع مشاكل المواطنين بحيث تجعل المواطن يشعر وكأنه في النرويج أو الدنمارك وهما الدولتان اللتان تتصدران قائمة أكثر الدول رفاهية في العالم حسب تقرير مؤشر الرخاء العالمي لعام 2011.
بدلاً من أن نرى المن والسلوى الذي بشرتنا به حكومات ناصر المحمد وجابر المبارك برصد ميزانية 100 مليار دولار لمشاريع التنمية مازال مستشفى جابر هيكلاً أسود، ومازال استاد جابر بعد 8 سنوات من بدء العمل به غير صالح للعب عليه، ومازالت مباني جامعة الشدادية تحترق مرة بعد أخرى والمتهم الوحيد بهذه الحرائق حرارة الجو، ومازال المواطن ينتظر عشرين سنة ليحصل على سكن، بدلاً من الحد الأدنى من المشاريع البسيطة التي يحلم بها مواطن في دولة ميزانيتها متخمة بالفوائض المالية يخرج علينا سمو الرئيس لا فض فوه وأهلك حاسديه “ليبشرنا” بانتهاء دولة الرفاه، في نفس الوقت الذي يطلب ديوان سموه ألبومات صـــور لسموه بمبلغ زهيد لا يتجاوز 28 ألف دينار.
إذا كان سمو الرئيس يبشرنا بانتهاء دولة الرفاه وسعر برميل البترول وصل إلى 120 دولاراً وميزانية الدولة حققت فوائض تبلغ أكثر من ستين مليار دينار خلال السنوات الخمس الماضية، فبماذا سيبشرنا طال عمره إذا انخفض سعر البترول إلى ثلاثين دولار مثلاً؟!.
بعد سماع كلام سمو الرئيس ورؤيته الاقتصادية الفذة والثاقبة عن انتهاء دولة الرفاه فإن لسان حال المواطنين هو “يبه ما نبي تنميتكم، بس خل نسلم على معاشاتنا”.
 سمو الرئيس طال عمرك “جزنا من العنب ونريد سلتنا”.
 
salahma@yahoo.com