كتاب سبر

التطبير.. عادة أم عبادة؟

كما هو الحال في كل سنة في أيام عاشوراء، يعود الجدل في الساحة الشيعية حول ظاهرة التطبير، وعما إذا كانت مستحبة أم مكروهة أم محرمة. بداية لابد من توضيح ظاهرة التطبير وضرب السلاسل التي يمارسها البعض في عاشوراء لا وجود لها في الأحاديث والروايات ولم يفعلها أحد من الأئمة ألاثني عشر، وأنه لم يكن لها أي ذكر في مؤلفات القدماء ممن أرخوا لذكرى عاشوراء وما أرتبط بها من مراسم. والسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين هو حول زمن وأسباب وظروف نشاءة ظاهرة التطبير وغيرها من المظاهر محل الجدل.
يوجد هناك إجماع بين الباحثين ومؤرخي الشعائر الحسينية على أن هذه الظواهر لم تبرز إلا في القرون الثلاثة الماضية، في حين أنه لا يوجد اتفاق في الرأي بين هؤلاء المؤرخين على ظروف نشاءة هذه الظواهر، بل هناك ثلاثة أراء مختلفة في بيان هذه الظروف التي جعلت من هذه الظواهر تبرز كطرق غير مألوفة في إحياء ذكرى عاشوراء عند الشيعة ولتغطي على غيرها من طرق التعبير المألوفة.
الرأي الأول يقول أن هذه المظاهر ظهرت لأول مرة في القرن السابع عشر في عهد الدولة الصفوية التي كانت تحكم بلاد فارس، والتي اتسم عصرها بالتعصب الديني والتركيز على مثل هذه المظاهر ، ومن فارس انتقلت هذه المظاهر إلى العراق وبقية البلاد المجاورة، وفي حين أن الرأي الثاني يتفق مع الرأي الأول في أنها ظهرت في القرن السابع عشر، إلا أنه يرجع منشأ ظهورها إلى بلاد القوقاز. أما الرأي الثالث فيرجع بدء ظاهرة التطبير إلى انتهاء فترة منع المماليك الشعائر الحسينية في العراق، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وكان ذلك عندما قدم وفد من أتراك أذربيجان لزيارة ضريح الإمام الحسين (ع)، وصادف وصوله يوم عاشوراء، فتجمعوا عند المرقد وأقاموا مجلس عزاء أهاج مشاعرهم فأخذوا يضربون رؤوسهم بالسيوف، ومنذ ذلك الحين بدأت هذه العادة تنتشر.
بعد أن عرفنا أراء الباحثين حول نشأة ظاهرة التطبير فإن السؤال الملح هو عن موقف علماء الشيعة من هذه الظاهرة. المتتبع لفتاوى فقهاء الشيعة يجد أن من يبيح القيام بذلك يدخله تحت عنوان الإباحة العام بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى ضرر معتد به، أما الفقهاء المعارضون للتطبير وضرب السلاسل فيعتبرون أن ذلك من فعل العوام الذي لا أصل له، ويرون أن في ممارسة ذلك تشويهاً وإساءة للشعائر الحسينية ومعانيها السامية، وقد ألف السيد محسن الأمين وهو من علماء جبل عامل كتاباً أسماه “التنزيه لأعمال التشبيه” خصصه للاستدلال على عدم مشروعية هذه الممارسات على اعتبار أنها لا تنسجم مع موازين الشرع وأنها تمثل امتهاناً لذكرى عاشوراء ذات المعاني السامية.
إذا كان لابد من تلخيص القول في ظاهرة التطبير وضرب السلاسل وغيرها من المظاهر فإنه يمكن القول أن هذه المظاهر من الأمور المحدثة التي لا أصل لها في النصوص الدينية الشيعية، وأنها لا تعدو عن كونها اجتهادات فردية نشاءت في ظروف معينة، ومن ثم تحولت بفعل التكرار والاعتياد وعوامل الكبت والجهل إلى ظاهرة يمارسها العوام الذين من طبعهم المبالغة في التعبير عن مشاعرهم، وهي بالتالي عادة لا عبادة.