كتاب سبر

الراسبون في اختبار الرميثية

في هذه الحياة؛ كثيرون يدّعون الذكاء والفطنة، والحرص على النفس وصونها عن الخطأ، والالتزام بخط السير الذي يرتضيه الإنسان لنفسه، والمواظبة على أداء الواجبات المنوطة بهم مما يجعلك تظنهم من الفائقين المتميزين عن أقرانهم، ولكنهم – ومع الأسف – يرسبون في أول اختبار لكل ادّعاءاتهم السابقة ويغرقون في شبر ماء تناقضهم الممجوج لتسقط عنهم ملابس الكذب والزور التي يلبسونها فتظهر لنا عوراتهم واضحة جليّة ، ولا تنفعهم بعدها محاولة سترها بأوراق أشجار أعذارهم الواهية.
أحداث البارحة التي جرت في الرميثية – بغض النظر عن كل شيء – لم تكن من وجهة نظري سوى اختبار قصير فاجأ به المعلّم طلّابه المتحذلقين الذين كانوا يتباهون أمام أقرانهم بشطارتهم وتفوقهم ، والاختبار رغم قصره وسهولته إلا أن عدد الراسبين فيه كان مهولاً جداً ولم ينجح فيه سوى من صمت وقدّم ورقة الاختبار فارغة إلا من عبارة “اللهمّ سلّم سلّم”.
البارحة اختلطت الأوراق وطاشت العقول وسقطت الأقنعة وتبدلت الشعارات ، فالذين كانوا يفرحون بضرب القوات الخاصة لمسيرات كرامة وطن واعتصامات السفارات ويرونها تخل بالأمن ؛ رأيناهم يؤيدون بل ويحضرون مسيرة قامت لغرض طائفي ، ويكتوون بنار القنابل الدخانية التي أضحكتهم سابقاً ، والذين كانوا ينتقدون اعتصام مقاهي الفساد في الجهراء بحجة أن أسبابه دينية وأن قضايا الوطن أهم رأيناهم البارحة يصفقون لمن خرج في مسيرة لغرض ديني – من وجهة نظر من خرج – وليس لأجل قضايا الوطن فما الذي تغير بالله عليكم سوى أنهم ظنوا أن مثل هذه المسيرات قد تخدم توجههم ، ورأينا ثلّة من شباب الحراك ممن يدّعون الإصلاح ومحاربة الفساد يتنادون بسخرية ومن باب مزح برزح بـ “ولّعها شعللها” في مشهد يعكس قلة وعي هؤلاء الشباب بنتائج الأمور وما سيؤول إليه الحال فيما لو ولعت وشعللت فعلاً ، كما رأينا بعضهم يتحول فجأة ويتقمص دور مباحث أمن الدولة عن طريق نشر تغريدات لمغردين فسروها على أنها مسيئة للذات الأميرية وهم الذين كانوا ينتقدون مثل هذا التصرف وينتقدون تفسير النوايا سابقاً ، ورأينا بعض من كان يضرب الوحدة الوطنية في مقتل عن طريق ضرب القبائل ومكونات المجتمع يتباكى البارحة – بعد غياب – على إثارة مثل هذه النعرات وكأن ما كان يقوم به سابقاً عمل وطني جليل، ورأينا بعض القنوات التي كانت تحارب كل مسيرة يقوم بها شباب الحراك سابقاً تقوم بنقل حيّ ومباشر لتلك المسيرة ، ورأينا بعض النواب الذين مارسوا هوايتهم المحببة وهي التكسب كيف اشتاطوا غضباً من أجل كيربي تم هدمه ولم يؤثر فيهم عشرات الألوف من البشر الذين يعيشون في بيوت أغلبها من الكيربي في تيماء والصليبية ، ورأينا بعض أصحاب اللحى ممن أطلق للسانه العنان غير آبه بما يقول متناسياً أن للكلمة خطراً كبيراً على المجتمع وأن الفتنة النائمة قد توقظها كلمة حقّ يراد بها باطل!.
مصيبة عظمى حين يفعل اختبار “فتنة” قصير كل هذا ، وطامة كبرى حين يثور مجتمع كامل من أجل أي سبب ليتبادل التهم ويتراشق الشتائم ، وكأنه يبحث عن جنازة “فتنة” يشبع فيها لطماً ، ولكننا لا ننكر أيضاً أن مثل هذه الأحداث مفيدة جداً لنا لأنها تساهم في سقوط الأقنعة الزائفة وتهافت الشعارات الكاذبة لتمحص المجتمع من كثير من الذين يقتاتون على مثل هذه الأحداث ولتبين لنا مدى هشاشة “عظام” هذا المجتمع الذي ربما – وأقول ربما – إن لم تتم معالجة هشاشته سريعاً سيصاب بكسر في عموده الفقري .