كتاب سبر

ليبراليّ بدويّ !

قبيح جدّا منظر السرج على ظهور البقر ، ولا يقلّ قبحاً عنه منظر الأفكار الليبرالية وهي تلحس مخّ ابن البادية ذاك الذي نشأ في بيئة محافظة ومتّزنة ورأس ماله دينه وسمعته وشرفه ، دون أن يكدّر صفو ذلك كله زحام الحاضرة واختلاط أهلها وتنوع ثقافاتهم ، وما أقذر محاولة الوصول إلى الممنوع شرعاً أو عرفاً عبر انتهاج أفكار لا يبدو أن صاحبها مقتنع بها أصلاً ولكنها ليست إلا مطيّة للوصول لهدف غير سامٍ أو حقنة لإراحة الضمير مما يرتكب مملوءة بعقار “كيفي لبرالي” !
ونظراً لأنه “ياشين شيء ما يشابه أهله” ؛ نجد منظر الليبرالي البدوي قبيحاً جدّاً إذا ما قورن بجميع الليبراليين في هذه المعمورة ، فوجهه ولهجته وسحنته وآخر اسمه كلها توحي إليك بأنّه يجب أن يكون ما بينه وبين ترّهات الليبراليين كما بين المشرق والمغرب ، ولكنّ حاجة في نفس “مخبول” هي التي دفعته لاعتناق هذه الأفكار التي لو نطقت لتملّصت منه وفرّت من رأسه فرار السليم من المجذوم .
نجد الليبرالي البدوي لا يمارس ليبراليّته إلا خارج بيئته ومحيطه الأسري ، فكل قواعده غير قابلة للتطبيق على الأقربين الذين هم أولى بالمعروف ، ولعلّ هذا إقرار ضمنيّ منه بأن ما يحمله من فكر هو إلى المنكر أقرب منه للمعروف ، وهو يحاول أن يكون شاعريّاً أديباً رومانسيّاً يستيقظ على أصوات فيروز وأم كلثوم ، ويستلذّ بفناجين القهوة التركية مصحوبة بأبيات نزار ومظفّر وأحمد مطر ، وينام على قرع كؤوس الشراب وعلى أغنيات عبدالحليم وعبدالوهاب ، ولكن محاولاته تبوء بالفشل دائماً وتجرّ أذيال الخيبة وراءها فكل ماسبق ليس له “معشّى” في بيئته البدوية ، ومن حوله لا يعطون “سدّاح” الليبرالية فرصة إثبات جدارته أقصد دشارته ، وكل مطربيه السابقين يتساقطون واحداً تلو الآخر أمام أغنية لمزعل فرحان أو محاورة لمستور ولا يهون الميزاني ! ، أما قرع الكؤوس فلا يستطيع تطبيقه على كؤوس ملئت لبناً ! ، وتجده يحاول التعبير عما يجول في صدره بأسلوب أدبي راقٍ – بظنّه – فإذا به يرجع بسوء الأدب وقلة الحياء وسواد الوجه ، ولطالما “جاب العيد” دون أن يشعر في عبارة ظنّ أن المنفلوطي سيغبطه عليها وهو في قبره ، وتجده يفرح بزلات المتدينين ويتخيلها باباً يلج منه نحو الطعن فيهم فإذا هو بغبائه يطعن في الدين نفسه دون أن يشعر ولربما وقّع على ورقة خروجه من الدين دون أن يشعر ، وهو – الليبرالي البدوي – بكل بساطة ؛ حاول أن يكون غيرَه فعاد أسوأ مما كان ، فجعل من نفسه أضحوكة يتابعه الآخرون ليضحكوا عليه وليحمدوا الله على نعمة العقل والهداية في حين لايفرق هو لغبائه المفرط بين من يضحك له ومن يضحك عليه .
في كتابه “محاولة ثالثة” لخّص الكاتب محمد الرطيّان حياة الليبرالي البدوي بسخرية في مقال احتواه ذلك الكتاب عنون له بـ “مذكرات داشر سابق” ليتحدث فيه عن “الداشر” السابق والليبرالي الحالي “دحيّم” والذي وصف فيه بداية اعتناقه لليبرالية بعد اعتناقه لكثير من الأفكار قبل ذلك فقال : “وفي ليلة ليلاء غاب فيها القمر النجدي ، وهبّت فيها رياح غربيّة غريبة ، اجتمعنا في إحدى الاستراحات … دون أن نشعر أصابتنا الحساسيّة الجديدة ، ولفرط ما أصابنا من هذه الحساسية السياسية أخذنا نهرش ونهرش ونهرش ، حتى وصل الهرش إلى المخّ ، فتفتّق الذهن عن فكرة جديدة ، وفجأة … تلبرلنا ! ” .
هذه باختصار طريقة اعتناق الليبرالي البدوي لليبراليّة والتي كانت مرحلة لما بعد الدشارة التي تلاها الهرش ، والتي استطاع أن يمارس فيها دشارته ذاتها ولكن تحت مسمى “ليبرالي” و “مثقّف” ، ليجد من يصفق له ويضحك له لكنهم بالتأكيد أقل بكثير ممن يصفق يديه أسى على حاله ويضحك عليه .
@Mansour_m