كتاب سبر

إنه الفشل

لا يمكن وصف هذه المرحلة وأدائها وشخصياتها إلا بـ«الفشل».
.. لم أكن أود أن أقول ذلك فى تلك المرحلة، وذلك بعد أن تخلّصنا من جماعة الفشلة الذين أرادوا هدم البلاد وتحويلها إلى عزبة خاصة تابعة للتنظيم الدولى للإخوان.
.. لكن ما يحدث الآن.. هو الفشل.
.. لا نرى عقلًا.. ولا رشدًا من أى شخص موجود على الساحة الآن.
.. ربما نجد مَن يعتبر أنه يؤدّى واجبه.. وقد يكون مخلصًا فى ذلك.. ولكن تجده موظفًا ليس عنده خيال أو إبداع فى التعامل مع هذه المرحلة الانتقالية المهمة فى تاريخ البلاد.. إذ سعى الشعب من خلال ثورتين فى فترة وجيزة للتخلّص من الاستبداد والفاشية والاستبداد والفشلة.
تخلّص من نظام مبارك المستبد والذى كان يريد توريث البلاد لابنه.
.. وتخلّص من نظام الإخوان الفاشى الذى كان يريد تحويل البلاد إلى قسم تابع للتنظيم الدولى.
.. ومن ثَم كان الشعب رهانه على قيادة جديدة أو على الأقل إدارة جديدة تستطيع أن تدير المرحلة الانتقالية الجديدة بشكل يلبّى طموحات الشعب فى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وفى التنمية.. خصوصًا أن هناك دعمًا لا محدودًا من دول صديقة من أجل العبور فى تلك المرحلة الصعبة التى وضعت البلاد فيها الأنظمة السابقة.
فقد جرّف نظام مبارك البلاد من الكفاءات، وسيطر على معظم المؤسسات المنافقون والموالون ودعاة التوريث الذين كان يهمهم المصالح الشخصية.
.. وجاءت المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير بأداء فاشل، سواء من جنرالات المجلس العسكرى أو من حكومة عصام شرف.. والذى أدّى فى النهاية إلى فرض الإخوان أنفسهم على الواقع السياسى والمجتمعى.. وادّعوا أنهم أصحاب الثورة -بالبلطجة- واستطاع أن يسير فى ركابهم بعض السياسيين والقوى والأحزاب نفسها التى كانت تدور فى فلك نظام مبارك.
.. ومع هذا الشعب هو الذى تصدّى للإخوان.. وعزلهم.. وأبرز فشلهم فى الوقت الذى كانت قوى سياسية ومؤسسات تتوالس معهم وتتبعهم.
.. وتصدّى الشعب لإرهاب الإخوان.. وذلك رغم أنه فوّض الشرطة والجيش فى مكافحة إرهاب الجماعة والمتحالفين معها.. إلا أنه كان النصيب الأكبر للتصدّى من أفراد الشعب فى القرى والمدن والمحافظات.
.. حتى عندما يتم فرض حالة الطوارئ.. لم تستطع مؤسسات الأمن التصدّى لإرهاب الإخوان، ولم يتم استخدام القانون ضد هذا الإرهاب.. وتصدّى الشعب.
.. وحتى الآن لم تستطع الحكومة محاسبة الإخوان على إرهابهم.
.. ولم تستطيع التصدى لمظاهراتهم.
.. ولم تستطع أن تجعل الجماعة إرهابية رغم أن الجماعة تمارس الإرهاب بشكل يومى فى الشوارع، وبات الجميع يعرف إرهاب الجماعة وترويعها للمواطنين، اللهم إلا الحكومة وجهازها الأمنى.. ويبدو أن علاقة الجهاز الأمنى بالإخوان خلال فترة حكم الإخوان ما زالت قائمة، خصوصًا أن الوزير الحالى كان معروفًا عنه أن ينفّذ سياسات مكتب الإرشاد.. ولعلنا لا ننسى عندما ذهب اللواء محمد إبراهيم إلى مدينة الإنتاج الإعلامى فى فترة محاصرتها بجماعة حازم أبو إسماعيل والإخوان، لمنع الإعلاميين وترويعهم الذين كانوا يهاجمون سياسات الإخوان الفاشلة.. فقال وقتها عن هذا العمل الإرهابى: «إنهم متظاهرون سلميون».. فيأتى الآن ويتحدّث عن تنظيمات إرهابية تقصد الإعلاميين وتضعهم على قوائم الاغتيالات!! وربما ما خفى كان أعظم فى تلك الفترة الذى عمل فيها وزير الداخلية مع الإخوان وكان اختيارًا من محمد مرسى ومكتب الإرشاد.
.. وإذا بالداخلية الآن تتصدى لمجموعة من خيرة الشباب الذين خرجوا احتجاجًا على لجنة الخمسين بوضعها مادة المحاكمات العسكرية فى الدستور الجديد.. والذى توقّع الجميع أن يكون دستورًا معبّرًا عن الشعب وعقدًا اجتماعيًّا جديدًا -بعيدًا عن الإخوان والاستبداد- بدعم الحرية والكرامة والعدالة.. فيكون مصير هؤلاء الشباب القمع والضرب.. وكأن الداخلية تنتقم من هؤلاء عن فترة سابقة فضحوا فيها ممارساتها فى أثناء نظام مبارك.. وفى أثناء نظام مرسى!!
.. فحتى فى استخدامها قانون التظاهر المثير للجدل فشلت الداخلية.. وقدّمت نموذجًا عظيمًا للفشل والقمع، يؤكد أنه لم يحدث تغيير.. لم تمارس فض المظاهرة بالقانون.. إنما بالأساليب القمعية التى تعلّموها، حتى إنهم يقبضون على فتيات وبعد ساعات من الاحتجاز قُل فيها ما شئت من أحداث اعتداءات وانتهاكات.. تركوهن فى النهاية فى الصحراء.. وذلك فى وقت كانت فيه مظاهرات إخوانية لم تتصدَّ لها كالعادة!!
.. إنه الفشل الذى ما زالت عليه مؤسسات الدولة التى لا تريد أن تخرج منه.