آراؤهم

ظاهرة الاستعراض والتقحيص أسباب وعلاج

في مقالتي الأخيرة والتي كان عنوانها ( ومن النت ما قتل ) علق بعض القراء ومنهم الأخ الفاضل : علي فياض العنزي قائلين إن الأجهزة الأمنية مقصرة ولا تستطيع القضاء على ظاهرة التقحيص ( التفحيط ) فأقول إن لكل قضية جذوراً وأسباباً ومسببات وإذا عرف السبب بطل العجب ؛ بداية لن يستغني الشباب عن ظاهرة التقحيص حتى ولو سيقوا إلى الموت ، ولن تجدي وسائل القمع أو عقوبات القانون نفعاً مادام العقل قد غاب عنه الوعي ، وافتقد الشباب البديل الذي يفرغ تلك الطاقة الجبارة بداخلهم ، والسؤال ما الذي يدفع شباباً تزهر الأيام في بستانهم وينتظرهم مستقبل مشرق إلى ركوب أمواج الخطر والموت المحقق ؟؟ والجواب أنه حب الشهرة ولذة الثناء والمدح ، فالشاب الذي فقد التشجيع في مدرسته وفي بيته من أب لا يملك غير التأنيب وإهمال أبنائه ورميهم بالفشل وإقصائهم عن مواطن الرجولة !!! فلم يجد هؤلاء الشباب غير التنفيس والتعبير عن أنفسهم بعيداً عن أعين أهليهم وذويهم ، فتفجرت طاقاتهم وخرج مكنونهم من خلال إبراز مواهبهم في القيادة والتقحيص متلذذين بكلمات التشجيع والثناء فوجدوا بغيتهم وتعلقوا بها غير عابئين بعقوبة أو خوف من قانون ، ولن يرجع الشباب عن مغامرتهم هذه أبداً ، ومادام الأمر كذلك والحال كما وصفت ؛ فعلينا رصد الظاهرة وتوصيفها توصيفاً صحيحاً حتى نتمكن من وضع العلاج المناسب ، فهي ليست ظاهرة مرضية بقدر ما هي أخطاء سلوكية في العملية التربوية ، تراكم بعضها على بعض ، وغياب واضح لدور الأسرة في الاستيعاب والتوجيه ، ودور المدرسة في غرس السلوكيات الصحيحة ، كما أنه غياب واضح لدور المجتمع في تبني مشروع قومي يلتف حوله الجميع صغاراً وكباراً وعليه نوجه إلى التالي :
1/ ليس من الحكمة ترك هؤلاء الشباب دون رعاية وتوجيه لطاقتهم واستخراج مواهبهم وتوجيهها لصالح الوطن من خلال إقامة دورات ومهرجانات لهذه الظاهرة تحت سمع وبصر المسئولين ، مع الأخذ بالحسبان توعية الشباب بضرورة تقنين هذه الظاهرة .
2/ التعاون مع المختصين والخبراء النفسيين لمعرفة مواطن القوة والضعف في أبنائنا هؤلاء ، واكتشاف مواهبهم وصقل هذه المواهب ، ومساعدتهم في الخروج من هذه الدائرة الضيقة التي رسمها حول نفسه وهي حب أقرانه ومدح أصحابه إلى دائرة المجتمع الذي يحبه أيضاً ويمدحه على كل عمل يعود نفعه عليه وعلى المجتمع .
3/ تبني الرؤية الصحيحة للعلاج وهي مقاومة الفكر بالفكر ، وتوجيه الهواية بالهواية ، وإصلاح السلوك المنحرف بالسلوك القويم ، فالفكر لا يقاوم بالكبت ، والهواية لا تنسى بالضغط ، والسلوك لا يعالج بالقمع .
فإذا استطعنا أن نوجد لهؤلاء مناخاً جيداً مناسباً لممارستهم هواياتهم نكون قد نجحنا في تجنب الأخطار ، ووجهنا هذه الطاقات في الخير ما استطعنا .
مما تجدر الإشارة إليه التحذير الشديد من ترك هذه الظاهرة تتفاقم دون علاج مناسب سريع ، لأن الخطر محدق ونحن نرى فلذات أكبادنا وعماد أمتنا فارغاً لا شغل له بالنهار ولا هم له بالليل سوى الجري وراء الغرائز والشهوات إلا من رحم الله .
بذلك تكون الدولة واعية وعياً كاملاً لما يحدق بالوطن من أخطار تستهدف شبابنا ومستقبل أمتنا ، وبذلك تكون الدولة بجميع مؤسساتها مراقبة لفلذات أكبادها موجهة لطاقاتهم مستعينة بهم في رقي ورفعة وطنهم ، بدل أن تظل الداخلية شماعة نعلق عليها أخطاءنا وأخطاء أبنائنا.
ومن هنا أقترح زيادة عدد المراكز الخاصة للتنفيس الطبيعي في مساره القانوني الذي لا يضر أحداً ولا يصدر أخطاراً إلى المجتمع ، بحيث يوجد في كل محافظة مركز لممارسة هذه الظاهرة تحت سمع وبصر الدولة ومن هنا يسهل التوجيه والتصويب والعلاج واستثمار الطاقات .
وأخيراً :
همسة لأولياء الأمور  اتقوا الله في أبنائكم وتعرفوا على مواهبهم وطاقاتهم ووجهوهم نحو الخير ما استطعتم ، واعلموا أنكم مسئولون عنهم بين يدي الله ، وإياكم أن تعنفوهم فيرتد العنف في وجوهكم ، ولا تهملوهم فتغرق سفينة النجاة في لجج الحسرات ووقتها لن تعود الساعة إلى الوراء .
من كنانتي :
لا تُنسى الهواية إلا بأخرى أبلغَ أثراً وأقوى وقعاً
فهما يدان :
يد تقدم نصحاً ورعاية فترتقي بمن تحب
ويد تقدم غشاً وغواية فتهبط بمن تبغض .
@Dr_Al_Enezi