كتاب سبر

صرخة مانديلا الأخيرة

لم تجد أحدًا فى العالم إلا وينعى الزعيم الإفريقى نيسلون مانديلا، العالم أجمع، على نضاله.. وكفاحه.. وزعامته وحكمه الرشيد.. وحكمته.
تلك الحكمة التى حافظت على بلاده جنوب إفريقيا، وتقدمها بين دول العالم.
كافح العنصرية ولم يأبه إلى سنوات السجن الطويلة (27 سنة)، وظل يعمل على حق السود كبنى آدمين فى بلاده، يحصلون على حقوقهم كمواطنين أسوياء، ويقومون بواجباتهم لصالح مجتمعهم.
كان الصرخة التى هزّت العالم أجمع.. بأن هناك بشرًا تتم معاملاتهم بطريقة أسوأ من معاملة الحيوانات، رغم أن الله خلقهم أسوياء، مثل أى بشر فى العالم.
استطاعت صرخته وهو فى السجن أن تجمع الكثير من القوى الحيوية فى العالم على مقاطعة النظام العنصرى فى جنوب إفريقيا.
وكشفت هذه الصرخة مدى فداحة النظام العنصرى وهمجيته وتوحّشه فى معاملة بشر خلقهم الله أحرارًا مثل أى بشر فى أى بقعة فى العالم.. فلم يكن حظّهم أنهم يعيشون أو ولدوا فى جنوب إفريقيا.
كانت صرخة مانديلا فى سجنه الذى اعتقله فيه النظام العنصرى هى صرخة الحرية إلى العالم كله.
فوصلت هذه الصرخة إلى الجميع.. فكان لا بد من تحرير السود فى جنوب إفريقيا من استعبادهم من قبل البيض.. فقد خلقهم الله أحرارًا أيضًا وتحرّك العالم من أجل تحرير سود جنوب إفريقيا.
ووصلت تلك الصرخة إلى كل بنى آدم فى جنوب إفريقيا لا إلى السود فقط الذين ناضلوا وكافحوا للحصول على حقّهم الإنسانى فى المساواة، ولكنها وصلت إلى البيض أيضًا الذين استوعبوا أنه لم يعد هناك أى أمل فى مجتمع يتبع قيم العبودية التى تخلّت عنها الأمم التى تنشد الحياة والتقدم.. فلا يمكن أن تكون هناك مجتمعات صالحة دون مساواة بين البشر جميعًا.
وضيّقت هذه الصرخة على النظام العنصرى فى كل دول العالم.
وزادت تلك الصرخة من دعوات المقاطعة لنظام جنوب إفريقيا على كل المستويات إقليميًّا ودوليًّا.. وفى أى مشاركات لجنوب إفريقيا فى أى فاعليات.. تكون هناك ودائمًا مقاطعة وفضح وكشف عن ممارسات النظام الحاكم من عنصريته ضد القيم الإنسانية.
فكانت صرخة مانديلا هى صرخة الحرية التى أضاءت فجرًا جديدًا ليس لجنوب إفريقيا فقط، ولكن للعالم كله.
فلم يكن أمام النظام العنصرى وحكامه فى جنوب إفريقيا إلا الاستجابة إلى صرخة مانديلا والإفراج عنه.. والتنازل عن مبادئ العنصرية إلى غير رجعة.. واستعاد السود حقوقهم الإنسانية.
ولتعود جنوب إفريقيا إلى حضن العالم.. ويستعيد السود كرامتهم وحريتهم، بل يتولّون السلطة باعتبارهم الأغلبية فى المجتمع.
ويتوّج مانديلا زعيمًا وطنيًّا لحكم رشيد، وبانتخابات نزيهة يتولّى مسؤولية البلاد بعد حصول حزبه الوطنى على الأغلبية.
فمن السجن إلى السلطة.
ولم يكن طامعًا أو سارقًا لسلطة، وإنما كان زعيمًا عمل من أجل الوطن والمواطنين والحرية.. فكان محامى الحرية أمام العالم.
ولم يطلب أو دعا للانتقام من الذين وضعوه خلف الأسوار وفى غياهب السجون وتخلّصوا من مناضليه بتعذيبهم وقتلهم والاعتداء على مناصريه وطالبى الحرية الذين كانوا يخرجون فى مظاهرات شبه يومية، فكانت تقابلهم الشرطة العنصرية بقنابل الغاز والرصاص الحى والاعتقال والقتل.
.. دعا للتصالح والتسامح فى مجتمع من أجل الحفاظ عليه وتقدّمه وإعادة العلاقة على أساس سليم من القيم الإنسانية، وذلك فى إطار المحاسبة أيضًا.. فكانت العدالة الانتقالية فكرًا جديدًا لصالح النظام الجديد وبناء الدولة فى إطار قيم إنسانية.
فكان مُصلحًا عظيمًا.
ولم يرضَ أن يظل فى حكمه إلى الأبد، رغم أن ما فعله وتاريخ نضاله وحب الشعب له يجعله فى السلطة أبدًا.
ترك السلطة طواعية ليمنح حياته الباقية لصالح العمل الاجتماعى التطوعى، مستغلًا شعبيته فى إثراء العمل الخيرى لصالح مؤسسات رعاية الأطفال والعمل الاجتماعى بشكل عام ليستكمل تقديم القدوة التى يتعلّم منها الجميع.
لذا، حصل مانديلا على احترام وحب العالم كله.. فلم تجد أحدًا إلا وينعى الزعيم نيلسون مانديلا.. رحمه الله.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.