كتاب سبر

كل شيء موجود بس أمن ماكو !

الأشياء العظيمة لاتُعرف قيمتها إلا بفقدها، وأبوفراس الحمداني الفارس والشاعر فهم هذه الجزئية جيداً فقال ردّاً على ازدراء قومه له : وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ، والمصيبة العظمى أن بعض تلك الأشياء العظيمة إذا ذهبت لا تعود إطلاقاً، أو لعلها لا تعود إلا بعد أن تذيقنا مرارة الازدراء بها والتقليل من قيمتها، ولاتَ حين مندم.
يردد كثيرون عبارة “أمن أمان، والله لايغير علينا” بازدراء واضح مع كل خبر عن سرقة جديدة للمال العام أو تجاوز صارخ للقانون، أو تفرّد واضح في اتّخاذ القرار، ناسين أو متناسين أن الازدراء سبب من أسباب زوال النعم والحرمان منها، وغافلين أو متغافلين أن كلّ ما ذكر أعلاه لا يعدل نعمة أن تخرج من بيتك وتعود إليه سالماً، ولا تقارن بنعمة أن تسلم على نفسك وعرضك ومالك، وإن حاول بعض الجهلة التقليل من شأنها.
إن ازدراء نعم الله عزّ وجلّ أمر ممقوت وفي ثناياه اعتراض على الله عز وجل عليك فقد جاء في الحديث الحثّ على النظر لحال من هو أدنى منك في أمور الدنيا وعلّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله “حتى لا تزدروا نعمة ربكم”، وإن الأمن والأمان نعمتان عظيمتان لا تقارن بهما أي نعمة مهما بلغت، ولهذا كانت هاتان النعمتان مصدر منّ من الله عز وجل على قريش في كتابه الكريم حيث قال سبحانه : ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) وقال في موضع آخر ( أولم نمكن لهم حرماً آمناً …..) الآية، والشاهد أنه لولا عظمة هاتين النعمتين لما اختار الله عزّ وجل المنّ بهما دوناً عن غيرهما.
في لقائه مع جريدة سبر الإلكترونية يُسأل الشيخ فهران الصديد عن الأوضاع في العراق بعد الإطاحة بصدّام، فيجيب منوّهاً على نعمة الأمن والأمان التي فقدت بعد الإطاحة به، وهذا كلام رجل خبير عاصر الزمنين وأعطانا عصارة تجربته ( ولا ينبئك مثل خبير )، وإن هذا ليشبه ما قاله لي صديق عراقي من أهل “الكوت” حين سألته عن الأوضاع هناك فقال : “كل شيء موجود بس أمن ماكو”، ولله درّ السلف الأوائل الذين جرّبوا فقالوا : “حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم”.
في بلدي … نعم هناك فساد، نعم هناك ظلم، نعم هناك تجاوز للقانون بسبب المحسوبيات والواسطة، نعم هناك دولة آيلة للتقهقر، ولكن أيّاً مما ذكرت لا يعدل نعمة الأمن والأمان التي تبقى كفتها هي الراجحة في ميزان العقول السليمة، وإن الحرب على كل ما ذكر لا يكون طريقه بالطبع عن طريق ازدراء نعمة الأمن والأمان، فحارب الفساد بالطرق الشرعية وفي ذات الوقت ارفع يديك وقل : “اللهم لك الحمد على نعمة الأمن والأمان والله لا يغير علينا”.
twitter : @Mansour_m