كتاب سبر

الحكومة خونت فيكم

حكم البراءة الجماعية الذي صدر من المحكمة بحق مقتحمي مجلس الأمة أثار وجهات نظر متباينة من الناحية القانونية والسياسية وشكل مفاجأة من العيار الثقيل، فحتى أكثر المتفائلين أو المتشائمين لم يتوقع هذا الحكم، ونحن في هذه المقالة لا نناقش الشق القضائي من الحكم، لأن ذلك ليس من اختصاصنا، وفي كل الأحوال فإن الأحكام القضائية محل احترام، لأن القضاء هو الملجأ الأخير لحفظ النظام والحقوق، ولكن سوف نتطرق إلى ردة فعل الشارع على الحكم وتداعياته على المشهد السياسي القادم.
في جانب كتلة المعارضة كانت ردة الفعل بالتأكيد هي الشعور بالفرحة الغامرة لأن الحكم يمثل رد اعتبار بعد أن تم “جرجرتهم” في المحاكم لأكثر من سنتين بسبب هذه القضية، والحكم وإن كان لازال حكم درجة أولى إلا أنه ينفي عن المقتحمين التهم الخطيرة التي كانت توجه لهم من قبل فريق الموالاة والتي وصلت إلى حد اتهامهم بأنهم كانوا بصدد تنظيم انقلاب على السلطة، وأن عقوبة هذا الفعل سوف تكون قاسية جداً، وقد تصل إلى الإعدام كما قال النائب علي الراشد يومها. 
من ناحية أخرى فإن حكم المحكمة سيعيد الحيوية والنشاط للحراك المعارض الذي تعرض لانتكاسات كبيرة أوصلته إلى حالة يرثى لها، وكان هناك شبه إجماع على أن السلطة نجحت في ضرب الحراك المعارض وإضعافه، بل إن منظّر الحراك الأول المحامي محمد عبدالقادر الجاسم أعلن في وقت سابق أن “الحراك قد انتهى بفعل فاعل”، وهنا يأتي حكم المحكمة ليعطي مسلم البراك ورفاقه قوة دفع كبيرة ليقولوا للجميع “ألم نكن نقول لكم إننا على الحق”.
 الحكم بالعموم هو انتصار لوجهة نظر المعارضة التي كانت تقول إن اقتحام المجلس هو الذي أسقط حكومة الفساد ومجلس القبيضة، وهو وانتصار بالخصوص لمسلم البراك الذي علق على الواقعة بأنه “لهذا اليوم ولدتني أمي” وأثبت بوحمود أنه رقم صعب في المعادلة السياسية. 
على أساس ما تقدم فمن المتوقع أن تعيد المعارضة ترتيب صفوفها والتخطيط لكيفية إعادة الحراك المعارض إلى زخمه السابق، ولكن هذا الأمر لن يكون بالأمر السهل.
من الجهة الأخرى فإن فريق الموالاة وفي مقدمتهم غالبية الشارع الشيعي الذي كان يرفع شعار “نار الحكومة ولا جنة المعارضة” أصيب بخيبة أمل كبيرة من الحكم، لأن القناعة المترسخة عند الغالبية الساحقة من جمهور الموالاة كانت أن أحكاماً قاسية سوف تصدر بحق مقتحمي المجلس مما يعني إنهاء الحياة السياسية لنواب المعارضة ورموزها وستعاقب الشباب الذين انساقوا وراء مواقف المعارضة بحيث لن يفكر أحد في إعادة التفكير بالخروج للشارع مرة أخرى. 
جمهور الموالاة لديه قناعة أخرى بأن السلطة تملك القدرة في التأثير على القضاء وأن هذا الحكم هو حكم سياسي بامتياز، وأن السلطة في الواقع راضية عن هذا الحكم لأنها ترتب الأمور لعودة نواب المعارضة للساحة السياسية حتى تستقر الأمور، وبالتالي فإن جمهور الموالاة يشعر بأن السلطة قد “خونت فيهم” وخذلتهم ولم تحفظ لهم جميل الوقوف معها في أحلك الظروف ضد المعارضة، وأصبح لديهم شعور بأن السلطة ولحساباتها الخاصة مازالت تراعي خاطر المعارضة بل تخاف منها، ولسان حال جمهور الموالاة حالياً يقول “بعد كل وقفتنا معاكم تسوون فينا جذي؟”. 
يجب على جمهور الموالاة أن يلوم نفسه أولاً لأنه تم تحذيرهم مراراً وتكراراً بأن السلطة ليس لها صاحب وأنها مستعدة أن تبيعكم بأبخس الأثمان، وقد فعلت، ولذلك لا تلوموا إلا أنفسكم.. إكْلوها الحين.
 
salahma@yahoo.com