كتاب سبر

التلذّذ بأكل .. التبن!

في إحدى دول العالم الثالث الشهيرة بزراعة الموز والبطيخ قام خبير في وزارة الصحة متخصص في الأغذية وفوائدها بتقديم دراسة وافية عن فائدة التبن كمادة غذائية للإنسان، وكان مما ذكره في الدراسة أن التبن يحتوي على نسبة كبيرة من المعادن، ويمثل غذاءً مثالياً للذين يريدون إنقاص أوزانهم. ، كما ان التبن يعتبر علاج يمنح الطاقة والصحة لمن يعانون من الأمراض المزمنة ويخلص المرضى من كل المتاعب العقلية والجسدية ويزود اجسامهم بالقوة والطاقة . 
وقد قام وزير الصحة في تلك الدولة بعرض هذه الدراسة على مجلس الوزراء الذي كلف وزير الإعلام بعمل حملة منظمة للترويج للتبن وتبيان فوائده العظيمة للشعب الذي يجهل تلك الحقيقة ، كما كلف وزير الأوقاف بتوصية الخطباء الحديث في خطب الجمعة والمناسبات الدينية عن التبن وفوائده للمسلمين، وطلب من وزير الشؤون انشاء جمعية أصدقاء التبن، وأخير تم تكليف وزير التربية بإضافة فصل كامل في مادة العلوم عن فوائد أكل التبن للإنسان، ويبدأ مع الطلاب منذ الصف الأول وحتى الصف التاسع.
وقد باشر كل وزير حسب اختصاصه بتنفيذ تعليمات مجلس الوزراء، فانتشرت الإعلانات في الشوارع تروّج للتبن، وتعددت البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن فوائد أكل التبن، وغنت الفنانة المشهورة والمحبوبة منال الصغيرة أغنية “لا زوج عندي ولا إبن … يكفيني مدوار من التبن” ،و غنّى المطرب الشعبي تعبان عبدالعظيم وبتكليف من وزارة الإعلام أغنية “التبن يا ناس وبس … ما تقولي خيار وخس … وهيييييييه” ، كما قام خطباء المساجد بواجبهم الوطني، وتحدثوا في كل خطبهم عن فوائد التبن، وتعاون بعض أعضاء مجلس الشعب مع الحكومة من خلال ترويجهم لحملة توعوية للشعب، وقاموا بأكل التبن أمام شاشات التلفزيون ليقنعوا الشعب بفوائد هذه المادة الغذائية العظيمة، ونظمت المؤتمرات، وأقيمت الندوات حول هذا الموضوع، وأخيرا نظمت الحكومة فريقا منها ليقوم بتشكيل لجنة وطنية تنادي باقناع بقية أفراد الشعب بأهمية أكل التبن، وأُطلق على هذه الحملة اسم حملة “نبيها تبن”، ولكن الصحف الموالية والمعارضة قامت بشن حملة كبيرة ضد الحكومة تطالبها بدعم التبن، فهو مفقود من الأسواق بسبب تدافع الناس لشراءه وأكله ، فرضخ مجلس الوزراء وكلف وزير التجارة بإضافة التبن إلى مواد البطاقة التموينية ليتمتع كل الشعب بأكل التبن وتعود إليه صحته ويتخلص من متاعبه الجسدية والعقلية.
وانتشر التبن في كل مكان، وتلونت أشكاله وتعددت ألوانه، وأضيفت إليه النكهات المختلفة، فهذا تبن بالفراولة وذلك تبن بالعسل، وهناك دايت تبن، حتى جاء ذلك اليوم، حين دخل الخبير صاحب دراسة التبن إلى مكتب وزير الصحة في تلك الدولة وكان يبدو عليه الشرود والإرتباك والتأثر ، ولا يعلم من أين يبدأ حديثه ، حتى نهره الوزير وأجبره على الحديث، وتحدث الخبير بصوت متهدج بعد أن غلبه التلعثم والتردد والارتباك، وأخبر الوزير بأنه قد أخطأ في دراسته، فهو قد استعان بدراسة سابقة لخبير غيره، يتحدث فيها عن فوائد التين، لكنه، وبسبب ضعف بصره لم ينتبه لوجود النقطتين، وظن أن الدراسة تتحدث عن فوائد التبن، وأنه يأسف لهذا الخطأ الكبير، ثم وضع استقالته على مكتب الوزير وخرج بعد أن ترك الوزير مصعوقا في مكانه.
خرج الوزير مهرولا إلى اجتماع مجلس الوزراء الذي كان منعقدا، فأطلعهم بما حدثه الخبير، فبهت الجميع، وانعقدت ألسنتهم، حتى تحدث الوزير المنقذ، كما يُسمى في المجلس، وطالب الجميع بالتكتم على الخبر، وترك الأمور على ما هي عليه،  والخطأ لا يحتمل كل هذا الخوف، هي نقطة واحدة تحت حرف الياء سقطت منا، ثم همس بصوت لا يسمعه سوى السادة الوزراء أعضاء المجلس وقال : “لنأكل نحن التين، ودعوا الشعب يتلذذ بأكل التبن” .