كتاب سبر

سنة المصايب

يكفي للمهتم بشؤون المنطقة أن يضع الخريطة أمامه ويستعرض في ذهنه الأوضاع في كل دولة من دول المنطقة، أقول يكفي ذلك ليصاب المتابع للأوضاع بالرعب لما حدث في عام 2013. لنستعرض الخريطة بداية من ليبيا التي أصبحت أقرب ما تكون إلى دولة فاشلة تنتشر فيها الميليشيات المسلحة بشكل علني، بحيث أصبحت دولة حارة “كل من أيدو ألو” وهي على أعتاب التفكك إلى ثلاث دويلات، ثم ننتقل إلى تونس التي تعيش مخاضاً عسيراً بين خيار الدولة المدنية أو خيار التشدد الديني. وقريبا من تونس تبدو مصر في عنق الزجاجة، فهي تموج بتغيرات حادة على مستوى الانقسام المجتمعي بعد سقوط حكم الأخوان المسلمين واستلام العسكر للسلطة في عام 2013، ومصر في عام 2014 أمام تحد كبير، فهي إما أن تنهض وتقود الدول العربية معها للاستقرار، وإما أن تسقط في وحل الفوضى فينعكس ذلك على تفشي حالة الضياع في المنطقة ككل. وليس بعيداً عن مصر فإن السودان وجنوبه يعيش وضعاً متفجراً وليس بعيداً أن يتشظى. تركيا التي كان يضرب بها المثل في الاستقرار والنمو الاقتصادي يبدو أنها أصابتها لعنة أوديب، وبعد أن كان أردوغان يحلم بأن يعيد عهد الخلافة العثمانية ليصبح سلطان المسلمين ها هو اليوم يترنح بفعل الفضائح المتلاحقة وقريباً سوف يلاقي مصيره المحتوم.
أما سوريا التي شهدت في عام 2013 كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة فهي بيضة القبان فيما سيحدث للمنطقة برمتها، والتوقعات تشير إلى أن النصف الأول من عام 2014 سوف يكون حاسماً في الأزمة السورية في قلب موازين القوى والخروج من حالة المراوحة، والأرجح أن يستعيد النظام غالبية المناطق التي خسرها لمصلحة المعارضة في العامين الماضيين، ولكن هذا لا يعني إنتهاء الأمر في سوريا، بل ستتحول سوريا إلى مرتع للجماعات التكفيرية التي تضرب وتهرب على الطريقة العراقية. أما لبنان الذي شهد في عام 2013 توتراً طائفياً شديداً على خلفية تدخل حزب الله في سوريا بدأً من معركة القصير فهو وقع في شراك السيارات المفخخة والاغتيالات والعمليات الانتحارية، ووضعه مرتبط بشكل عضوي بما ستسفر عنه الأمور في سوريا. العراق هو الآخر تأثر بشكل كبير في عام 2013 بما حدث في سوريا، وعلى أثر ذلك شهد تصعيداً طائفياً خطيراً أعاد إلى الأذهان أحداث الفترة من 2005-2008، ولكن إذا ما حسم الأمر في سوريا فإن ذلك سوف ينعكس إيجابياً على العراق وهو ما سيقود رئيس الوزراء العراقي المالكي إلى العودة لرئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة في أبريل. اليمن ورغم بعدها عن بؤرة التوتر إلا أنها تموج بصراعات سياسية وطائفية وعرقية طاحنة قد تؤدي إلى تقسيم اليمن مرة أخرى إلى كانتونات. وحتى دول الخليج التي تبدو بعيدة عن العواصف فإن استشراف المستقبل يقود إلى القول بأن دول الخليج لن تكون بمنأى عن أحداث مفاجئة قد تؤدي إلى زعزعة استقرار بعض الأنظمة الخليجية.
مشهد عام 2013 كان مشهداً مرعباً بكل معنى الكلمة، وبدا وكأن المنطقة على فوهة بركان يتطاير حمماً مما يشكل خطورة بالغة بأن تشتعل المنطقة بأكملها. في المقابل يتوقع أن يكون عام 2014 هو عام إتضاح الصورة بشكل كبير، على الأقل في جملة من مناطق الإحتقان الساخنة. إذا كان عام 2013 عام الإرهاصات العنيفة، فإن عام 2014 هو عام جني الثمار بعد أن ينجلي غبار المعركة لنعرف من انتصر ومن انهزم.
salahma@yahoo.com