كتاب سبر

بل هم في الفتنة سقطوا

منذ بدأ الربيع العربي، عندما شاء الله أن ينزع الوهن من قلوب المسلمين. ومشايخ البلاط يرجفون بأن مايحدث في العالم العربي إنماهو فتنة، بل زاد أحدهم على ذلك فأفتى بأن ما يحدث لشعوب العالم العربي، بمعصيتهم لولي الأمر،
وراح هؤلاء يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، حتى صار بعضهم يحتج بما يحدث اليوم في سوريا من قتال بين فصائل الجبهة الإسلامية، ودولة العراق والشام، ويقول: “ألم يحذركم المشايخ من قبل بأن مايحدث في سوريا فتنة؟!”.
ولبيان ذلك ابتداءً أقول: إن من حجب عنه السلف الثقة، حقيق بأن لايسمع له، ففي شعب البيهقي: “وما ازداد أحد من السلطان قرباً، إلا ازداد من الله بعداً”، وقال الثوري: “إذا رأيت القارئ-أي العالم-يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص”، وعن بشر بن الحارث قال: “ماأقبح أن يطلب العالم فيقال،هو بباب الأمير”…(كشف الخفاء،للإمام العجلوني).
ذلك بأن الشرع جاء بها سياسة شرعية،وجاء مشيخة السلطان ليجعلوها شريعة سياسية..شريعة تقتضي مايقتضيه البلاط،فكان من الطبيعي أن يقول الموظف بلوائح مؤسسته..ولن أسئ الظن وأقول:حماية لمصلحته،بالذود عن مؤسسته.
إن مايحدث في سوريا،بعيداًعما أصبح الناس يعرفونه من شنشنة هؤلاء،لم يكن ممالم يكن في الحسبان،بل يكاد حدوثه مما يكون حتماً، لتنوع أساليب العدو في مقاومة الإسلام،فتارة يضربه بنفسه، وتارة يضربه بأهله،بالمستعمل منهم والمستغفل.
إن الشعوب العربية لمارأت تخاذل حكوماتها وتآمرها على الثورة السورية وجيشها الحر،هبت لنصرته وإمداده، لتغنيه عن الإمدادات المشروطة لبعض دول التآمر،فكان أن استطاع الاستمرار بهذه التبرعات ومايغنمه من جيش النظام،فكان من المحتم أن يسارع العدو لقطع هذا الإمداد بتجفيف منابعه،وليس لذلك،أفضل من تشويه الجهاد،وصرف صورته إلى صورة فصائل متقاتلة تسقط الثقة من شعوب الإمداد،وقد حدث..فلقد كانت الناس تعطي بالأمس ولاتناقش، ثم راحت تعطي وتناقش، ثم هانحن بدأنا نجد اليوم من يناقش ولايعطي.. لقد تبرع بعض المخلصين من بعض الفصائل برسم هذه الصورة الظالمة ولمعرفة الحقيقة،لابد من إعادة تركيبها.
لقد دخلت جبهة النصرة المنصورة بين فصائل وألوية الجيش الحر منذ بدأ الجهاد،ولم نر أو نسمع مايكدر رغم اختلافهم العقدي مع بعض الفصائل،بل على العكس من ذلك ،فقد أبانت جبهة النصرة عن هدفها من أول يوم قاتلت فيه،وهو القتال ضد النظام،وترك ماسوى ذلك،بأن أهل الشام أدرى بالشام.
ثم بدأنا نسمع بدولة العراق والشام،ومبايعةٍ لأمير مؤمنين،فلم نحفل لذلك،ولم يكن ذلك التجوز يعنينا في شئ مادام الأمر مدداً للمجاهدين.لكن الوقت بدأ يتكشف عن أمور لانعلم لها معنىً ولاغاية.
لقد بدأ بعض أفراد دولة العراق والشام يقاتلون بعض فصائل الجيش الحر،بل صاروا يقاتلون جبهة النصرة التي انبثقوا منها،ويخطفون قيادات الفصائل ويقومون بمحاكمتها وإعدامها،بل ويدخلون المناطق المحررة من قبل فصائل الجيش الحر،ويعلنونها ولايات تابعة”لدولتهم”ويقيمون الحواجز،ولم يسلم من ذلك حتى فصائل الجهاد.كل ذلك ثبت وتواتر بما لايقبل الشك.ولا يدفعه دفع،فمالمراد من ذلك ومالغاية؟!
قبل أن نسمع بدولة العراق والشام،كنا نسمع بمشروع”لأفغنة سوريا”،أي صنع قتال بين الفصائل المقاتلة كما حدث في الجهاد الأفغاني،وليس أفضل من ذلك لتشويه صورة الجهاد،وإظهاره في صورة أمراء حرب يتقاتلون على مناطق نفوذ وغنائم..وماأجدر ذلك بإسقاط الثقة لتجفيف منابع الأمداد.وقد تبرع بذلك أصحاب البيعة”مشكورين”،حين بايع أصحاب البغدادي صاحبهم”أميراً للمؤمنين”!! لو سلمنا لأصحاب هذه البيعة ببيعتهم لأميرهم،فمالذي يمنع عصبة أخرى أن تدعي بيعةً أخرى لأمير مؤمنين آخر بشوراها ومحاكمهاوتلزم غيرها بمبايعته،وتضرب هامة الأمير السابق لمفارقته بيعة أميرها،ثم تأتي عصبة أخري تدعي دعواها وتلزم غيرها بشوراها ومحاكمها؟!
فيالله والمسلمين ما”أجمل”الجهاد بهذه الصورة،وماأسعد أعداءه بها!!
إنني أقطع أن العدو لن يجد أجدى من هذه الشورات وبيعاتها،ومحاكمها،تفريقاًبين المجاهدين وقتلاً لمن حارب في سبيل الله.
إن دعوى إعلان دولة العراق والشام وشورى بيعة أميرها البغدادي،قد رفضه أمير هذا الأمير،أعني أيمن الظواهري حيث يقول في بيانه المؤرخ13رجب 1434للإصلاح بين الفصائل المتقاتلة،البند السادس،فقرة-أ-:”أخطأ الشيخ أبو بكر البغدادي الحسيني بإعلانه دولة العراق والشام الإسلامية دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا،بل و دون إخطارنا”..إهـ فكيف يُلزم أتْباعُ البغدادي غيرهم من الفصائل ببيعةٍ رفضها أمير أميرهم،وتحكم محاكمهم الشرعية بردة من رفضها أو نقضها؟! أليس ذلك حكماً يطال أمير”أمير المؤمنين”؟!!
وبعد..فإني أقول لإخوتي المخلصين من دولة العراق والشام الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا،وكلمة الذين كفروا السفلى:
إن من ينكر دور دولة العراق والشام وجهادها ضد الصليبية والصفوية في العراق ونصرتهم لإخوانهم السنة يوم تخلى الجميع عنهم،لجهول جحود،لكن الخطأ قد يطرأ،وإن من أعظم الخطئ،التمادي فيه،ولإن تكون ذَنَبَاً في الحق،خير من أن تكون رأساً في الباطل.
فيا من شرفهم الله بالجهاد، إن الرغبة في قيام الخلافة شئ،وهو حلم كل مسلم مخلص،وأن تعيش هذا الحلم شئ.
إن قيام الخلافة لانملك من مراحله اليوم إلا الرغبة فيه،وشيئاًمن الجهاد المتناثر،الذي لا يلبث يكون متناحراً،بفعل فاعلٍ أو تغفيل غافل.وإن كلمة الذين كفروا لن تكون السفلى مادمتم تقاتلون من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.!! فالله الله في إخوانكم وفينا فأمسكوا.فما كدنا نفرح بالجهاد حتى بكينا عليه.
وأما للمفتونين القائلين بأن مايحدث في سوريا هو فتنة،فأقول:
إنما تكون الفتنة فيما لا يتبين من الحق،وليس شئ من ذلك في أمر الشام الظاهر البيّن
فإن مايحدث هو قتال بين حق شهد به العلماء الأثبات العاملون،وبين باطل ادعاه أصحابه حقاً بظنٍ بيّنٍ خطؤه،شهد ببطلانه أمير الجماعة، استُعمل به من استُعمل،واستُغفل فيه من استغفل..فإن لم يتبين من ذلك شئٌ رغم ظهوره لمن يزعم أنما يحدث في الشام فتنة،فليعلموا..أنما في الفتنة سقطوا.
بقلم.. حمدالسنان