كتاب سبر

الراشد والنصف.. مثال لمصير فداوية الحكومة

أيتام الحكومة
جورج دانتون أحد أشهر زعماء الثورة الفرنسية هو صاحب المقولة المعروفة “الثورة تأكل أبناءها”، وقد قالها وهو يقف على المقصلة بعد أن حكم عليه روسبيير -وهو من قيادات الثوار ايضاً- بالإعدام لأنه أختلف معه في كيفية إدارة أمور فرنسا بعد سقوط الملكية. مقولة “الثورة تأكل أبناءها” تنطبق على الواقع الكويتي أيضاً، ولكن بطراز مختلف لتصبح المقولة الكويتية “الحكومة تأكل أبنائها”. هذا المقولة تجسدت مرات عديدة في الواقع السياسي الكويتي قديماً وحديثاً، ولكن مقولة “الحكومة تأكل أبناءها” برزت بشكل صارخ خلال الأشهر القليلة الماضية من خلال إنقلاب الحكومة على إثنين من المحاربين القدماء وهما النائب علي الراشد والوزير السابق سامي النصف.
النائب على الراشد تلقى لكمة قاضية اسقطته من كرسي رئاسة مجلس الأمة الذي كان يحلم بالعودة إليه وفضلت عليه مرزوق الغانم. بعد هذه اللكمة الغادرة التزم علي الراشد الصمت لعدة أشهر من هول الصدمة، وبعد أن أفاق ووجد أن الحكومة غدرت به قرر أن يلعب دور البطل على طريقة فريد شوقي وأن يتحول إلى المعارضة، ومن يستمع إلى كلمة علي الراشد بالأمس في ندوة تجمع “المسار المستقل” الذي أسسه يخيل إليه أن المتحدث هو مسلم البراك وليس علي الراشد. بعد أن كان الراشد خط الدفاع الأول لحكومة جابر المبارك وقال فيه عبارات الغزل من كونه ذكي وقيادي محنك وصاحب رؤية أصبح الراشد الآن يطالب بتعديل الدستور وتنحي جابر المبارك عن رئاسة الحكومة لأنه فاشل وقال عن فشل جابر المبارك في إدارة البلد ما لم يقله مالك في الخمر. وهكذا تحول علي الراشد من صف الموالاة المتطرفة إلى صف المعارضة “المؤزمة”، وليس بعيدا أن نرى علي الراشد يشارك أحمد السعدون ومسلم البراك إحدى ندواتهم في قادم الأيام.
المثال الثاني الذي تنطبق عليه مقولة “الحكومة تأكل أبناءها” هو الوزير السابق ورئيس مجلس إدارة “الكويتية” المقال الكابتن سامي النصف. الكاتب الصحفي سامي النصف في دفاعه المستمر عن الحكومة كان بمثابة محمد حسنين هيكل في العصر الناصري مع الفارق بالطبع، فمقالات ومواقف سامي النصف كانت دوماً ضد المعارضة الفوضوية كما يسميها، وكان يطالب دوماً بإعطاء الحكومة الفرصة للعمل والإنجاز، وتقديراً لموقفه كان يتم التعامل معه بطريقة “يا دهينة لا تنكتين” فمن وزير إلى مستشار إلى رئيس لمجلس إدارة الخطوط الجوية الكويتية، ولكن فجاءة وبعد أن تلقى صفعة إيقافه عن العمل من قبل وزير المواصلات عيسى الكندري توقع النصف أن “تفزع” له الحكومة وفاءاً للخدمات الكثيرة التي قدمها لها وإكراماً لحسبه ونسبه وكان يمني النفس أن تقوم الحكومة باستبعاد عيسى الكندري من التشكيل الحكومي الجديد أو على الأقل نقله لوزارة أخرى، ولكن صدمة النصف كانت كبيرة عندما أعيد توزير الكندري بل وأضيفت له وزارة أخرى. هنا جن جنون سامي النصف وأيقن أن الحكومة باعته بأبخس الأثمان، فتحول إلى منظر للمعارضة وأصبح يتحدث عن “الدولة العميقة” ولم يترك قناة فضائية إلا وظهر عليها ليشرح مظلوميته وكيف غدرت الحكومة به.
علي الراشد وسامي النصف مثلان حاضران أمامنا لما يمكن أن يأول إليه مصير فداوية الحكومة ليصبحوا أيتاماً يتسكعون في الشوارع ويتحسرون على عمرهم الذي مضى في خدمة الحكومة. ما حصل للراشد والنصف هو درس لمن يحلم أن تضمه الحكومة في “حضنها الدافئ”. قلناها ونكررها “الحكومة ما لها صاحب”، ولكن ما أكثر العبر وأقل المعتبرين.
بقلم.. د. صلاح الفضلي salahma@yahoo.com
@salahfadly