كتاب سبر

المرامية: عشبة المرحلة

منذ القدم, والعطارون يصفون عشبة “المرامية ” لعلاج ضعف الذاكرة، أوصى بها ابن أبي حرثمة , وابن آثال وابن ماسرجويه, وابن البيطار مروراً بشيخ العطارين داود الانطاكى إلى عصر الحاج ” بو مثقال ” صاحب محل العطارة القريب من منزلنا القديم , وأبومثقال هذا هو من رسخ ” البروباجاندا المرامية ” في قلبى وقلب أهل بيتى ومن يعز علينا فكانت مراميتة عشبة اللزوميات كونها لزوم ما لا يلزم من الاسقام عند ابى مثقال ,وان كان المعري صاحب اللزوميات كتبها شعراً فان ابو مثقال كتب لزوميات مراميتة وصفات و”تراكيب لهوم ” وخلافه .
 عندك صداع  فالحاج ابو مثقال يوزن لك مبتسماً مائة غرام مرامية مع طلبه ان تدعوا له , وان داهمك مغص فسيف ” مرامية ابو مثقال ” اصدق انباء من قرقرة مصارينك , وان لوعك حب الشباب فلبخة مراميتة تجعل بشرتك تنشد مزهوة : الا ليت حب الشباب يعود يوماً فاخبره بما فعلت ” لبخة ابو مثقال ” ! وحنى لا سمح الله لو داهمك الامراض الخبيثة فعند ابومثقال نوع نادر من المرامية لا ينبت  إلا كل 175,5عام على سفوح جبال الهمالايا الغربية ,على شرط ان تكون الليلة قمر ” بدر 4″ ويصبح  زحل على خط واحد مع كوكب اورانوس مع توفر درجة حرارة ـ 36,8796 سيليزى  .
وما زلت اذكر النظرة الاخيرة المرسومة على وجه الحاج ابو مثقال قبل ان يغلق محل عطارته  للأبد  لتراكم الايجارات ولضعف المدخول مع ظهور بدعة ” البنادول ” ومنافستها السافرة لمراميتة ! ,كانت نظرة مليئة بالأسى والالم زفر بعدها بحرقة تشبة حرقة ملك غرناطة أبوعبدالله الصغير على هضبة زفرة العربى الاخيرة وقال متنهداً : لا تسقطوا ” عشب المرامية الأخضر ” من يدى !! في الوقت الذى كانت فيه الحاجة ام مثقال تصيح فيه من فوق البلكونه : ابكى” يا منيل “مثل النساء ” مرامية ” مضاعة لم تحافظ عليها كالرجال ! ذهب أبو مثقال وانقطعت اخباره عنا الى ان علمت مؤخراً انه حول نشاطه الى مقاولات البناء تخصص ” مساح ” ملتحقاً “باستاد جابر” لانه وبحسب ما ذكر لى سيوفر له دخلاً ثابتاً طوال العشرين سنة القادمة وربما اكثر .
المرامية هى ” عشبة المرحلة ” كوننا شعب يعانى ضعف ذاكرة مخجل وصل الى حد الاسفاف واخذ يمشى على حل شعره عبر مواقف الساسة ومن والاهم ! . تقول حكومة انها ستحل مشاكل الاسكان والتعليم والصحة والبدون والبنى التحتية والغلاء وووو الخ ! فترتجف القلوب هازة شباك أضلعها فرحا وطربا وتطلق الامال العابها النارية في سماء ” الهقاوى ” وننسى ان كلام ليل الحكومة يمحوه نهار الواقع  ولو بحثنا في ” قوقل ” ذاكرتنا لوجدنا نفس القول بشحم سطوره ولحم حروفه على متن عشرات الصفحات الممزقة وكل ما اختلف فيه هو اسم “المصرح ” فقط ! .ويقسم نائب على احترام الدستور وقانون الدولة فنصدقه ولو اتبعنا النائب إياه  الى باب دار ذاكرتنا لوجدنا قسمه الغموس مغموساً  داخل ارفف قسم ارشيف الذاكرة يعلوه تراب المصالح والمنافع ! تتغير المواقف امامنا من الأسود الى الأبيض فنقول ” عادى “!  وتتغير الألوان من الأزرق الى البرتقالى ومن البرتقالى الى الأزرق فيصيب ذاكرتنا عمى الوان ونبتسم امام “المتحولين ”  ونقول لهم بكل سذاجة : وش لونكم ؟ , ذاكرتنا تفتقد المواد الحافظة لنشيد الوطن ولذلك تفسد مع اول نسمة هوى نفس يثيرها منخفض جوى مبدئى ! وذاكرتنا معدل الاأوان الصناعية فيها فوق المعدل فتصيبنا  ” بالحارج ” الذى يتطور لاحقاً  الى ” حراج ” فيه كل قوافل “الحراك الوطنى ” حلال مستباح تنهبها قطعان المتسلقين وتجار حروب السياسة !
أضاعوك و” مراميتك ” يا مولانا  أبا مثقال وأى عشبة أضاعوا ..ليوم كريهة وسداد ثغر ! واى كريهة اسوء من تدهور أحوالنا واى ثغر استبيح كما استبيحت ثغور ابتسام مالنا العام ,مع ثغور مدامع  أمالنا العامة !!  وكل هذا سببه ضعف ذاكرتنا المزمن !! .”مراميتك”  والله هى “عشبة المرحلة” فبلا برامج حكومة المبارك وبلا مشاريع ائتلاف معارضة ,وبلا اولويات مجلس الغانم …بلا بطيخ  ! , فقط أنثروا ” المرامية ” فوق رؤوس جبال الذاكرة  لكى لا يقال ” ضاع ” شعب في بلاد التنميات الضائعة ! .