كتاب سبر

الأسد والثيران .. والقمة العربية

لا زلت أتذكر ونحن تلاميذ في المرحلة المتوسطة قصة الأسد وقطيع الثيران الثلاثة: الأبيض والأحمر والأسود، وكيف استطاع الأسد بدهائه ومكره ضعضعة واختراق تحالفهم القوي ليلتهمهم واحدا تلو الآخر ، بدءاً بالثور الأبيض، وهو الهدف الذي كان يخطط له ويسعى لتحقيقه ردحا من الزمن. وتروي القصة المقولة الشهيرة  للثور الأسود آخر الضحايا عندما أيقن بالهلاك: “ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، في إشارة إلى أن العد التنازلي لمنيته كان مع مصرع الثور الأبيض عندما تخاذل عن نصرته.
والمغزى من القصة أن الوحدة والتآزر سبب للقوة والمنعة، وأنهما السبيل الوحيد للتصدي للتهديدات والأخطار، بينما العزلة والبعد عن الجماعة عاقبتها تسلط العدو واحكام سيطرته وبسط نفوذه، خاصة  للكيانات الصغيرة أو الضعيفة.
لقد جالت في خاطري هذه القصة لدى إحاطتي بخبر سحب سفراء المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات من قطر في سابقة تاريخية في مسيرة مجلس التعاون.  ففي الوقت التي كانت فيه شعوب المنطقة تترقب المزيد من التقارب بين أعضاء دول المجلس ، وتأمل بتذليل الصعوبات والعراقيل من أجل ترسيخ وحدة خليجية حقيقية أسوة بالاتحاد الأوروبي جاءت هذه الخطوة لتجهض آمالهم وتقوض تطلعاتهم . وقد تابعت بآسى التراشق المحموم الذي رافق إعلان هذا القرار بين الأوساط الشعبية للأطراف المعنية ، سواء في وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي ، تخللها همز ولمز وقذف وشتم واتهامات وفجور في الخصومة بصورة  لم نعهدها من قبل بين الأشقاء في مجلس التعاون . بل قد وصلت درجة التصعيد والتمادي إلى مجاهرة شخصية أمنية مثيرة للجدل في دولة الإمارات بطلب حل منظومة مجلس التعاون وإنشاء مجلس بديل يضم دول مصر والأردن والسعودية والبحرين والإمارات مع استبعاد كلا من الكويت وقطر وعمان. 
إننا لا نذيع سرا إن قلنا أن إيران التي تحتل جزرا إماراتية وتدعم وتحرض الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية وتثير الفتن الطائفية في البحرين وتنشر خلايا شبكات التجسس في الكويت هي المستفيد الأوحد من هذا الإجراء، وليس أدل على ذلك من تزمير وتطبيل وسائل إعلامها ، استبشارا وإشادة بقرار السحب ، وترويجا للإشاعات , آملا بمزيد من الفرقة والشقاق بين الأشقاء في مجلس التعاون.
إن الأزمات والتوترات السياسية المحيطة بالمنطقة والتحول الدراماتيكي للعلاقات الأمريكية الإيرانية والتي تنذر بوضع قاتم على المدى القريب ، وتهديدات وزعزعة لأمن واستقرار دولها ، تقتضي تظافر الجهود واجتماع الكلمة وتوحيد الصف. 
ولعل في انعقاد القمة العربية في الكويت آواخر هذا الشهر فرصة لتنقية الأجواء وتهدئة الأوضاع واحتواء الخلافات وتغليب المنطق والحكمة ، لما عرف عن حرص وحنكة أمير الدبلوماسية صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في لم الشمل ورأب الصدع.  وحسنا فعلت قيادة  قطر بضبط النفس وعدم انسياقها خلف دعوات المعاملة بالمثل لتبقي الباب مقتوحا أمام مساعي تقريب وجهات النظر وطرح المبادرات وحسم الخلافات.
إن شعوب منطقة الخليج العربي وإن فرقت بينها الحدود الجغرافية سياسيا فقد جمع شملها وحدة الدين واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد والرحم ، وهي بلا ريب مقومات كفيلة بحفظ أواصر وروابط الإخاء والود بينها متينة وشامخة مهما اشتدت أعاصير الفتن والإرجاف.
قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )
د. جاسم الفهاد