كتاب سبر

بلعوا ألسنتهم

يحكى أن أحد الفتيان نشأ في مجتمع تنتشر فيه ظاهرة “الفتوات” أو “المصاكة” كما باللهجة الكويتية، وكان يعجب بقوتهم وسطوتهم، وقرر أن يصبح “مصك”، وأخذ يدعي القوة والشجاعة. 
وفي أحد الأيام دعي إلى حضور “هوشة” بين “مصاكة” الحي الذي يسكن فيه و”مصاكة” أحد الأحياء المجاورة، فأعد الفتى عصا غليظة لزوم المعركة، وسار مع بقية “المصاكة”، وبرغم تظاهره بالتصميم على المشاركة بالمعركة إلا أنه في داخله كان يرتعد خوفاً وهلعاً، وما أن بدأت المعركة والتحم الجانبان حتى هجم عليه بعض “مصاكة” الأعداء ، فأشهر الفتى عصاه ليدافع عن نفسه، إلا أن أحدهم عاجله بضربة كسرت عصاه ورضت يده، وانهال عليه الآخرون بالعصي حتى رضوه وأثخنوه جراحاً، فقرر التراجع عن حلمه في أن يكون “مصك”، فقيل فيـه: “أول غزاته انكسرت عصاته”.
قصة هذا المثل تنطبق على مجلس الأمة الحالي في موضوع زيادة علاوة الأولاد، فأعضاء المجلس أرادوا أن يثبتوا في بداية عملهم البرلماني أنهم ليسوا في جيب الحكومة وأنهم يدافعون بكل صلابة عن مصالح عامة الشعب، وصدرت مواقف نيابية عنترية من عدد كبير من النواب تقول إن المجلس سيقر الزيادة رغماً عن أنف الحكومة، فعلى سبيل المثال أكد مقرر اللجنة المالية محمد الجبري ان هناك غالبية برلمانية قادرة على تمرير قانون زيادة علاوة الاولاد، في حين شدد النائب فيصل الدويسان على وجود اغلبية الثلثين في حال ردت الحكومة قانون الزيادة، في حين قال سيد يوسف الزلزلة إن “الزيادة ماشية ماشية وأن عدداً قليلاً من النواب ضد إقرار الزيادة”، وبدوره، قال النائب فيصل الكندري إنه “لا خلاف بين نواب الأمة على قانون علاوة الاولاد، بل أرى اجماعا حقيقيا عليه، أما النائب خليل عبدالله فقال “إننا مصرون على إقرار الزيادة حتى لو عارضتها الحكوم”.
 من كان يسمع مثل هذه التصريحات من النواب كان يخيل له أن النواب الذين عملوا من أنفسهم “سبع البرمبة” سوف يقرون القانون غصباً عن الحكومة، ولكن ماذا حصل يوم الجلسة؟
فجأة ودون سابق تنسيق طلبت الحكومة عقد الجلسة سرية بذريعة عرض الحالة المالية للدولة، وفي الجلسة أوصلت الحكومة عبر وزير الدولة الشيخ محمد المبارك رسالة للنواب مفادها أن حل المجلس ينتظرهم إذا أصروا على إقرار زيادة الأولاد، وعندها بلع 45 نائباً ألسنتهم وغيروا موقفهم السابق إلى موافقة على تأجيل الموضوع إلى دور الإنعقاد القادم بمعنى وأد الموضوع نهائياً. 
ومن الواضح أن غالبية النواب صوتوا على عقد الجلسة سرية حتى لا يفتضح أمرهم على قاعدة “إذا ابتليتم فاستتروا”، ثم خرجوا يتبادلون التهم حول مواقفهم الحقيقية في الجلسة. 
النائب عبدالحميد دشتي لم يحاول التبرير كما البقية بل اعتبر تأجيل الموضوع “إنجاز” للمجلس لأنه نزع أحد القنابل الموقوتة في علاقة المجلس بالحكومة، مع أنه سبق أن صرح لجريدة الراي بأنه “لا يستبعد أن يكون وراء الرفض الحكومي اسباباً وغايات سياسية”، ولكنه أكد ان هناك في الوقت نفسه اسبابا فنية «نقابلها بتأكيد اصرار المجلس على اقرار هذه الزيادة».
خلاصة القول أن أوامر عليا صارمة صدرت بأن لا زيادة جديدة أيا تكن “واللي مو عاجبه يطق راسه بالطوفة”، والرسالة وصلت للنواب “فقطوها قري” وبذلك أنطبق على المجلس الحالي المثل القائل “أول غزاته أنكسرت عصاته”، بعد أن كان يظن نفسه “مصك”. كلمة أخيرة نقولها للنواب “إذا لم تكونوا رجال على قدر كلامكم فلا تصرحوا تصريحات تظهركم على حقيقتكم”.
 
salahma@yahoo.com
@salahfadly