كتاب سبر

داعش والمراقد

هجوم داعش على مدينة سامراء قبل يومين كان من الواضح أنه لم يكن بغرض إحتلالها، فمن الناحية العسكرية يستحيل عليهم ذلك، وإنما كان هدفهم الجلي هو الاندفاع مباشرة نحو مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ع لتفجيرهما لإعادة سيناريو ما حدث عام 2006 عندما تعرض المرقدين لتفجير شنيع من قبل عناصر تكفيرية نتج عنه اقتتال طائفي أدى إلى مقتل الالاف من الضحايا ولولا تدخل سماحة السيد السيستاني في ذلك الوقت لأكلت الفتنة الأخضر واليابس.
بعد أن يئست داعش من السيطرة على أية مدينة واقترب القضاء عليها في الفلوجة لجأت إلى محاولة يائسة لتفجير الفتنة الطائفية مرة أخرى، لأنها تعلم أنه لا يمكن أن تتحقق الفتنة في العراق إلا بتفجير أحد المراقد المشرفة التي يبدو أن علاقتهم معها ينطبق عليها المثل القائل ” أبو الجعل ما يحب الريحة الطيبة”، ولكن ولله الحمد خاب مسعاهم ورد كيدهم في نحورهم.
الأمر الذي يستحق التوقف عنده في موضوع داعش هو ما تمتلكه من أسلحة متطورة من صواريخ وراجمات وقناصات ومناظير ليلية، وهي إمكانيات لا يمكن أن تتوفر إلا بدعم قوي من دولة أو أكثر فضلاً عن “التبرعات السخية” التي تصلهم من دول الخليج ومنها الكويت وهو ما كشف عنه أكثر من تقرير استخباراتي وصحفي. 
لكن يبدو أن هذه الدول التي تدعم داعش وربيباتها لم تتعلم من درس أمريكا والسعودية عندما دعموا القاعدة لقتال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان ثم عانوا الأمرين من انقلاب “المجاهدين”  عليهما. الجهات الداعمة لداعش لم تتعلم درس أن من يدعم الجماعات التكفيرية كمن يربي وحش كاسر، فسرعان ما يرتد هذا الوحش محاولا قتل صاحبه، وإنشاء الله يأتي هذا اليوم قريباً ليذوقوا وبال أمرهم. أما فيما يخص الدعم الذي تلقاه داعش والنصرة وغيرها من الجماعات التكفيرية من قبل “متبرعين” فهو أمر صاحب واضح للعيان، فهناك الكثير من دواعش الفكر في مجتمعاتنا.
مشكلة داعش الحقيقية في العراق أن من يحكم العراق في الوقت الحالي هو عدوهم العقائدي اللدود الشيعة، ولذلك نجد إصرارهم على القتال حتى النهاية، وهم يجدون لهم في مسعاهم هذا حواضن تأويهم ودول تدعمهم لا تستطيع قبول الواقع الجديد في العراق، ولذلك فهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تغير هذا الواقع، ولكن يبدو أن ذلك بعيد المنال عليهم، فقد جرت المقادير بغير ما يشتهون. بسبب الشحن العقائدي والأرث التاريخي المرير فإن الأمور في المنطقة لا يتوقع لها أن تستقر على الأقل في المدى المنظور، وخاصة بعد أن عمقت الحرب الدائرة في سوريا الجراح العقائدية.
لكل ذلك فإن محاولات داعش لخلق فتنة طائفية باستهداف مراقد الائمة سوف تستمر، ولعل أفضل تشبيه لعلاقة داعش مع المراقد هو قول الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها           فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل